نسمته تعلق من ثمر الجنة كذلك هذا الشخص وإن أقيمت عليه الحدود فلجهل الحاكم هذا المقام الذي هو فيه فإقامة الحدود على من هذا مقامه ما هي حدود وإنما هي من جملة الابتلاءات التي يبتلي الله بها عبده في هذه الدار الدنيا كالأمراض وما لا يشتهي أن تصيبه في عرضه وماله وبدنه فيصيبه وهو مأجور في ذلك لأنه ما ثم ذنب فيكفر وإنما هو تضعيف أجور فما هي حدود في نفس الأمر وإن كانت عند الحاكم حدود أو تظهر رائحة من هذا في علماء الرسوم المجتهدين فإن الحاكم إذا كان شافعيا وجئ إليه بحنفي قد شرب النبيذ الذي يقول بأنه حلال فإن الحاكم من حيث ما هو حاكم وحكم بالتحريم في النبيذ يقيم عليه الحد ومن حيث إن ذلك الشارب حنفي وقد شرب ما هو حلال له شربه في علمه لا تسقط عدالته فلم يؤثر في عدالته وأما أنا لو كنت حاكما ما حددت حنفيا على شرب النبيذ ما لم يسكر فإن سكر حددته لكونه سكران من النبيذ فالحنفي مأجور ما عليه إثم في شربه النبيذ وفي ضرب الحاكم له وما هو في حقه إقامة حد عليه وإنما هو أمر ابتلاه الله به على يد هذا الحاكم الذي هو الشافعي كالذي غصب ماله غير إن الحاكم هنا أيضا غير مأثوم لأنه فعل ما أوجبه عليه دليله أن يفعله فكلاهما غير مأثوم عند الله وهذا عين ما ذكرناه في إقامة الحدود على الذين أبيح لهم فعل ما أقيم عليه فيه الحد وهو حد في نفس الأمر بالنظر إلى من أقامه فاعلم ذلك وهذه الحضرة واسعة الميدان يتسع فيها المجال فاكتفينا بهذا القدر من التنبيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وهو حسبي عز وجل ونعم الوكيل (حضرة الحكم) إذا تنازعكم نفس لتقهركم * فاجعل إلهك فيما بينكم حكما احذر من العدل منه أن يعادله * فإنه لكما بما به حكما يدعى صاحبها عبد الحكم قال تعالى فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها وقال ص في عيسى ع إنه ينزل فينا حكما مقسطا الحديث كما ورد فالحكم هو القاضي في الأمور إما بحسب أوضاعها وإما بحسب أعيانها فيحكم على الأشياء بحدودها فهي الحكم على نفسها لأنه ما حكم عليها إلا بها ولو حكم بغير ما هي عليه لكان حكم جور وكان قاسطا لا مقسطا والحكم هو القضاء المحكوم به على المحكوم عليه بما هو المحكوم فيه وأعجب ما في هذه الحضرة نصب الحكمين في النازلة الواحدة وهما من وجه كالكتاب والسنة فقد يتفقان في الحكم وقد يختلفان فإن علم التاريخ كان نسخا وإن جهل التاريخ ما أن يسقطا معا وأما أن يعمل بهما على التخيير فأي شئ عمل من ذلك كان كالمسح في الوضوء للرجلين وكالغسل فأي الأمرين وقع فقد أدى المكلف واجبا على إن في المسألة الخلاف المشهور ولكن عدلنا إلى مذهبنا فيه خاصة فذكرناه ومرتبة الحكم أن يحكم للشئ وعلى الشئ وهذه حضرة القضاء من وقف على حقيقتها شهودا علم سر القدر وهو أنه ما حكم على الأشياء إلا بالأشياء فما جاءها شئ من خارج وقد ورد أعمالكم ترد عليكم وفي الحدود الذاتية برهان ما نبهنا عليه في هذه الحضرة الحكمية اعلم أن حقيقة هذه الحضرة من أعجب ما يكون من المعلومات فإنها مماثلة لحضرة العلم وذلك أنها عين المحكوم به الذي هو ما هو المحكوم عليه أو له فالحكم ما أعطى أمرا من عنده لمن حكم له أو عليه إذا كان عدلا مقسطا وأما إذا كان جائرا قاسطا وإن كان حكما فما هو من هذه الحضرة وهو منها بالاشتراك اللفظي وإمضاء ما حكم به وأما قول الله مخبرا وآمرا قال وقل كلاهما رب احكم بالحق هو الحكم الذي لا يكون حقا إلا بك ومتى لم يكن الحكم بالمحكوم له أو عليه فليس حقا فالمخلوق أو المحكوم عليه جعل الحاكم حكما كما إن المعلوم جعل العالم عالما أو ذا علم لأنه تبع له وليس القادر كذلك ولا المريد فإن الأثر للقادر في المقدور ولا أثر للعلم في المعلوم ولا للحكم في المحكوم عليه والحكم أخو العليم فإنه حاكم على كل معلوم بما هو ذلك المعلوم عليه في ذاته وقوله في جزاء الصيد يحكم به ذوا عدل منكم فيه رائحة إن الجائر في الحكم يسمى حكما شرعا إلا إن الحاكم لما شرع له أن يحكم بغلبة ظنه وليس علما فقد يصادف الحق في الحكم وقد لا يصادف وليس بمذموم شرعا ويسمى حكما وإن لم يصادف الحق ويمضي حكمه عند الله وفي المحكوم عليه وله فهنا ينفصل من العليم ويتميز لأنه ليس هنا تابع
(٢٣٥)