ونبي إلى آخر من يخبر عن الله وادعوا أن ذلك مما أوحى به إليهم ولولا ذلك لاختلفوا فيه كما اختلف أهل النظر فهم أقرب إلى الحق بل ما جاءوا إلا بالحق في ذلك ليصدق الآخر الأول والأول الآخر وهذه مقالة لا يقتضيها النظر الفكري أصلا لكن الكشف يعطيها وعلى كل حال فأنجى الطوائف من اعتقد في الله ما أخبر الحق به عن نفسه على ألسنة رسله فإنا نعلم أن الحق صادق القول فلولا إن هذا الحكم عليه صحيح بوجه ما ما وجه به إرساله إلى الكافة من عباده ولولا إن له وجها في كل معتقد ما وصف نفسه على ألسنة رسله بالتحول في صور الاعتقادات فقد برأ في نفس كل معتقد صورة حق يقول من يجدها هذا هو الحق الذي نستند إليه في وجودنا فلم ير المخلوق إلا مخلوقا فإنه لا يرى إلا معتقده والحق وراء ذلك كله من حيث عينه القابلة في عين الرائي والعاقل لهذه الصور لا في نفسها فإن الله غني عن العالمين بالعالمين كما تقول في صاحب المال إنه غني بالمال عن المال فهو الموجب له صفة الغناء عنده وهي مسألة دقيقة لطيفة الكشف فإن الشئ لا يفتقر إلى نفسه فهو غني بنفسه عن نفسه لكونه عند نفسه يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني عنكم الحميد الذي يرجع إليه عواقب الثناء وما يثنى عليه إلا بنا من حيث وجودنا وأما تنزيهه عما يجوز علينا فما وقع الثناء عليه إلا بنا فهو غني عنا بنا لأن كونه غنيا إنما هو غناه عنا فلا بد منا لثبوت هذا الغناء له نعتا ومن أراد أن يقرب عليه تصور هذا الأمر فلينظر إلى ما سمي به نفسه من كل اسم يطلبنا فلا بد منا فلذا لم يكن الغناء عنا إلا بنا إذ حكم الألوهية بالمألوه والربوبية بالمربوب والقادر بالمقدور فللربوبية سر لو ظهر لبطلت الربوبية كما إن للربوبية أيضا سرا لو ظهر لبطلت النبوة وهو ما يقتضيه النظر العقلي بأدلته في الإله إذا تجلى الحق فيه بطلت النبوة فيما أخبرت به عن الله مما لا تقبله العقول من حيث أدلتها وقد دلت على صدق المخبر فلها الرد والقبول فتقبل الخبر الوارد وترد الفهم فيه الذي يقع به المشاركة بين الله وبين خلقه وإذا رددت المفهوم الأول فقد بطلت النبوة في حقها التي ثبتت عند السوداء وأمثالها والنبوة لا تتبعض فإذا رد شئ منها ردت كلها كما قال الله تعالى في حق من قال نؤمن ببعض ونكفر ببعض ويريدون أن يتخذوا بين ذلك سبيلا أولئك هم الكافرون حقا فرجح جانب الكفر في الحكم على جانب الايمان وإنما رجح حكم الكفر لأحدية المخبر وصدقه عنده فيما أخبر به مطلقا من غير تقييد لاستحالة الكذب عليه فلا بد له من وجه صحيح فيما جاء به مما يرده العقل ولذلك المؤمن يتأول إذا كان صاحب نظر وإذا عجز علم إن له تأويلا يعجز عنه لا يعلمه إلا الله فيسلمه لله ولكن عن تأويل مجهول ما هو على مفهوم لفظه الظاهر وعند أهل الله كل الوجوه الداخلة تحت حيطة تلك الكلمة صحيحة صادقة فهم المؤمنون حقا وقد أعد الله للمؤمنين مغفرة وأجرا عظيما (حضرة التصوير وهي للاسم المصور) إذا كان من تدري مصور ذاتنا * عليه فما في العين إلا مماثل وإن كان هذا مثل ما قلته لكم * وصح به حكمي فصح التماثل فما عنده إلا الذي هو عندنا * فإن صح هذا القول أين التفاضل بلي إنه عيني وما أنا عينه * ولو إنني كفؤ لبان التقابل يدعى صاحب هذه الحضرة عبد المصور والمصور من الناس من بذهب يخلق خلقا كخلق الله وليس بخالق وهو خالق لأنه قال تخلق من الطين كهيئة الطير فسماه خالقا وما له سوى هيأة الطائر والهيئة صورته وكل صورة لها قبول ظهور الحياة الحسية فإن الله قد ذم وتوعد المصور لها لأنه لم يكمل نشأتها إذ من كمال نشأتها ظهور الحياة فيها للحس ولا قدرة له على ذلك بخلاف تصويره لما ليس له ظهور حياة حسية من نبات ومعدن وصورة فلك وأشكال مختلفة وليست الصورة سوى عين الشكل وليس التصوير سوى عين التشكل في الذهن واعلم أن الله لما خلق آدم على صورته علمنا أن الصورة هنا في الضمير العائد على الله إنها صورة الاعتقاد في الله الذي يخلقه الإنسان في نفسه من نظره أو توهمه وتخيله فيقول هذا ربي فيعبده إذ جعل الله له قوة التصوير ولذلك خلقه جامعا حقائق العالم كله ففي أي صورة اعتقد ربه فعبده فما
(٢١٢)