وأرى الذي قيدته بصحيفتي * من علمه المسروح في المسطور إني قرأت كتابه وفهمته * فهما كما أجلاه في المزبور وأتى به ضوء الصباح وليله * في وقته المعروف بالديهور إني حصرت وجوده ويحق لي * حصر الأمور لعلمي المحصور قال الأماني غرور فلا تتمن على الله الأماني وأنت تسلك على غير طريق تحصيلها فإن الله يقول إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا فجعل الطريق التقوى لحصول هذا الفرقان الذي أنزله على عبده ليكون به للعالمين نذيرا أي معلما لهم ألا تراه لما أراد أن يعرف أوجد العالم وتعرف إليهم فعرفوه على قدرهم ما أبقاهم في العدم ورد خبر إلهي قال تعالى كنت كنزا لم أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله فلا بد لكل طالب أمران يسلك في طريق تحصيله لأن الطريق له ذاتي فلا تحصل إلا به ولكن أكثر الناس لا يشعرون ومن ذلك حاز جنة المأوى من نهى النفس عن الهوى إذا نهيت النفس عن هواها * كانت لها جناته مأواها بها حباها الله إذ حباها * وكان في فردوسه مثواها أقسمت بالشمس التي أجراها * قسما وبالبدر إذا تلاها وليلة المظلم إذ يغشاها * وبالنهار حين ما جلاها وحكمة الله التي أخفاها * عن العيون حين ما أبداها وبالسماوات ومن بناها * وفوق أرض فرشه علاها لتبلغن اليوم منتهاها * حتى تراها بلغت مناها حين رأت ما قدمت يداها * من كل خير منه قد أتاها بأطعمة قد بلغت أناها * ما كان أحلاها وما أشهاها قال نهى النفس عن الهوى أن يكون هواها لا تأته من حيث ما هو هواها بل من حيث ما هو إرادة الحق وأنت لا تدري فإذا نهى النفس عن الهوى من حيث إنه مذموم لا من حيث ما أشرنا إليه فإن الله قد ستر عنه العلم الصحيح في ذلك فعبر عنه بجنة المأوى أي الستر الذي آوى إلى ظله فهو وإن كان مدحا فمن حيث إنه علق الذم بالهوى فلو عرف أنه ما دفع الهوى إلا بالهوى وإن الهوى ما هو غير عين الإرادة وكل مراد إذا حصل لمن أراده فهو ملذوذ للنفس فكل إرادة فهي هوى لأن الهوى تستلذه النفوس وما لا لذة لها فيه فليس بهواها وما سمي هوى إلا لسقوطه في النفس وليس سقوطه إلا منك في إرادة ربه فلا أعلى من الهوى لأنه يردك إلى الحق فلا تشهد غيره في التذاذه بذلك إلا أن الخلق حجبوا عن هذا الإدراك فهم مع الإرادة فيهم ويسمونها هوى وليست بهوى والهوى للعارفين والإرادة للعامة والذم لهم في الهوى فهم له عاملون ومن ذلك الحق للباطل مزهق والنظر إليه مصعق قذفك بالحق على الباطل * يدمغه فهو به زاهق وإنما يعرف ما قلته * من هو في أحواله صادق فهو ظلوم والهوى مهلك * وغيره مقتصد سابق يسبقه فكل من جاءه * فإنه في أثره لاحق فإن أقل هادانا عارف * وإن أقل حادانا سائق من حيث عيني فإنا ناظر * ومن لساني فإنا ناطق أحوالنا تخبر عن سرنا * بأنه في ذاته عاشق قال لا تغالط نفسك حق وخلق لا يجتمعان فانظر مشهودك إن كان حقا فما تنظره إلا بعينه فإنك لا تدركه بغيره فما ثم
(٤٢٨)