وبها كان العالم خلقا لله ومنسوبا إليه إنه وجد عنه فارتبط به ارتباط منفعل عن فاعل ولهذا الحكم لم يزل العالم مرجحا في حال عدمه بالعدم وفي حال وجوده بالوجود فما اتصف بالعدم إلا من حيث مرجحه ولا بالوجود إلا من حيث مرجحه والحكم الآخر هو من حيث هويته وحقيقته لا نعت له من ذاته كما قلنا في الحق في حكم رفع المناسبة ليصح قوله ليس كمثله شئ في جناب الحق من حيث هويته ومن جناب العالم من حيث هويته والمناسبات أحدثت النعوت من حيث النسب لا من حيث إنها أعيان وجودية فأثم إلا الحق والحق فاعل * وما ثم إلا الخلق والخلق منفعل فلما وقعت المناسبة بين الله وبين العالم صح أن يقول يحبهم ويحبونه فالحق محب محبوب فمن حيث هو محب ينفعل لتأثير الكون ومن حيث هو محبوب يبتلي والعالم أيضا محب لله محبوب لله فمن حيث هو محب لله يبتلى لأجل الدعوى فيفتضح صاحب الدعوى الكاذبة ويظهر صاحب الدعوة الصادقة ومن حيث إنه محبوب يتحكم على محبه فيدعوه فيستجيب له ويرضيه فيرضى ويسخطه فيعفو ويصفح مع نفوذ قدرته وقوة سلطانه إلا إن سلطان الحب قوي كما قال الخليفة أمير المؤمنين هارون الرشيد ملك الثلاث الآنسات عناني * وحللنا من قلبي بكل مكان مالي تطاوعني البرية كلها * وأطيعهن وهن في عصياني ما ذاك إلا إن سلطان الهوى * وبه قوين أعز من سلطاني ومع وجود المناسبة بين الإنسان وبين العالم وأهله من العالم فلم يحب الرجوع إلى أهله من أحبه منهم مع كونهم محبوبين لله إلا لكون الله قد عين لأهله حقا على هذا الشخص فيحب الرجوع إلى أهله ليؤدي إليهم حقوقهم التي أوجبها الله لهم عليه لا لغرض نفسي ولا لمناسبة كونية ولما علم الله أن مثل هؤلاء ما رجعوا إلا امتثالا لأوامره تعالى ووقوفا عند حدوده لئلا يتجاوزوها ويتعدوها قال لمن هذه صفته قف حتى أتشفى وهو قوله ص لي وقت لا يسعني فيه غير ربي فهو لله في ذلك الموطن ليس لنفسه ولا لشئ من خلقه وسامحة الحق في رجوعه إلى أهله من هذا المقام لكونه ما يرجعه إلا حق الله الذي افترضه عليه لمن رجع إليه من أهله لعلمه بأنه يخاف فوت الوقت فيشهد له هذا الطلب للرجوع بأنه صادق الدعوى في محبته ربه تعالى لهذا قال وحينئذ تمر عني وهو لا يمر عنه إلا من حيث هذا المقام فإنه بعينه حيث كان قال تعالى في مثل هذا المقام الذي يقتضي الصبر عن الله من حيث هذا المشهد الخاص واصبر لحكم ربك برجوعك لأداء هذه الحقوق فإنك بأعيننا لعلمه بأنه محب والمحب يتألم للفراق والاشتغال بشهود الغير ولما سمعت في هذه المنازلة قوله حتى أتشفى منك ثقل علي لقلة معرفتي بالحق في حال هذه المنازلة فلما علم أنه قد شق مثل هذا علي آنسني بغيري في هذا الحكم فوقفني على قوله ص عن الله إنه أشد شوقا إلى لقاء أحبابه منهم إليه فإنه تعالى أعلم بهم منهم به وعلى قدر العلم يكون الشوق مع علمي إن مثل هذه الأمور إنما هي ألسنة المقامات والأحوال وأحكامها وأحكام الأسماء وهذا معنى قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن ووفدا ولا يحشر إليه إلا من ليس عنده من حيث هذا الاسم الخاص وهو عنده من حيث حكم اسم آخر غير هذا الاسم فمن عرف الحق بمثل هذه المعرفة لم يكبر عليه ما يسمعه عن الله من كل ما هو نعت المخلوق والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الخامس والعشرون وأربعمائة في معرفة منازلة من طلب العلم صرفت بصره عني) طالب العلم ليس يدرك ذاتي * بدليل لكون ذاك محالا فتراه يراني في كل عين * وتراني أبدية حالا فحالا فيرى نفسه وليس سوائي * والهدى لا يكون قط ضلالا قد رفعنا أبصارنا لشموس * أحرقت أوجها فكانت ظلالا فإذا ما يقول ربك فاعلم * إنني واحد عليك أحالا
(٣٧)