طهارة ورأوا هؤلاء نفوسهم غير طاهرة لما فيها من الدعاوي في الخير الذي قام بهم من عند الله فينسبونه لا نفسهم وما أعطوا الله حقه من رد ذلك إليه كما فعل القليل من عباده إلى غير الدعاوي من الأمور التي لا تتصف النفوس بوجودها بالطهارة فهؤلاء غاروا إن يذكروا الله وهم الذين يذكرون الله سرا في نفوسهم وأما الذين يذكرونه علانية فإنهم شاهدوا قلوب العامة في غاية من الغفلة عن الله فقالوا إذا ذكرنا الله فيهم ذكروه فإنهم إذا سمعوا ذكر الله لم يتمكن لهم إلا أن يذكروه فيذكرونه بقلوب غافلة عما يجب لله من التعظيم فإذا كان مشهدهم هذا غاروا على الله فلم يذكروا وكان منهم الشبلي في أول حاله وغيره فما وفي هؤلاء بعهد الله ولا كانوا على معرفة من الله وهذا حال أكثر أهل الطريق ولا سيما أهل الورع منهم فخرجوا بهذا عن العهد الذي عهد إليهم الله من ذكره في قوله اذكروا الله ذكرا كثيرا وما قيد حالا من حال وهو قوله ع الحمد لله على كل حال فإن القلب وإن غفل عن الذكر الذي هو حضوره مع المذكور فإن الإنسان من كونه سميعا قد سمع ذكر الله من لسان هذا الذاكر فخطر بالقلب ووعى ما جاء به هذا الذاكر ولم يجئ إلا بذكر اللسان الذي وقع بالسمع فجرد له هذا القلب ما يناسبه من الذاكرين منه وهو اللسان فذكر الله بلسانه موافقة لذكر ذلك الذاكر المذكر له والقلب مشغول في شأنه الذي كان فيه مع أنه لم يشتغل عن تحريك اللسان بالذكر فلم يشغله شأن عن شأن فما ذكر أحد الله عن غفلة قط وما بقي إلا حضور باستفراغ له أو حضور بغير استفراغ بل بمشاركة ولكن زمان أمره اللسان بالذكر ما هو زمان اشتغاله بغيره فما ذكره غافل قط أي عن غفلة في حال أمر القلب اللسان بالذكر إلا في حال ذكر اللسان ثم إن اللسان قد وفى حقه في العلانية من الذكر فإنه من الأشياء المسبحة لله فمن غار على الله لم يعرفه وإنما يغار له لا عليه وأما أهل هذه المنازلة فإنهم غاروا على الله أن يذكره غيره وهم أهل الدعاوي في الذكر وهم يشهدون أن الله هو الذاكر نفسه بلسان عبده فذكروه وهم يعلمون أنهم ما ذكروه مثل قوله إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وهو من جملة الذكر فرأوا إن الحق لسانهم في الذكر فلم يذكروه بهذا الشهود فصحت المنازلة بقوله من غار علي لم يذكرني لأنه عرف من الذاكر ومن المذكور فصار بمعزل عن الذكر في نفس الذكر وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى ثم إن الأسماء الإلهية ما كثرها الله إلا لاختلاف الآثار الظاهرة في الكون فإذا ذكره العارفون بالأسماء جعلوا الذكر لاسم ما من الأسماء وجعلوا المذكور اسما ما من الأسماء فكانت الأسماء يذكر بعضها بعضا فذلك الذكر ألسنة الأسماء ونحن وسائط فما ذكرناه إلا به ومن ذكرته به فلم تذكره ألا ترى ذكر من أنعم الله عليه إذا أذكره بنعمته فذلك لسان نعمته وأنت من نعمته فما ذكره إلا إحسانه لا أنت فمن غار على الله لم يذكره مع أنه أكثر عباد الله ذكرا بالصورة ولا ذكر له بالحقيقة فهو عبد حق لأنه الذاكر الصامت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والعشرون وأربعمائة في معرفة منازلة أحبك للبقاء معي وتحب الرجوع إلى أهلك فقف حتى أتشفى منك وحينئذ تمر عني قال الله تعالى يحبهم ويحبونه فهو المحب المحبوب) من أحب الفناء أحب لقائي * من أحب البقا أحب الرجوعا ليس يبقى مع الشهود وجود * فترى الكون في الشهود صريعا كل حب يكون فيه اشتياق * أودع الحق فيه معنى بديعا فإذا الله قال إني محب * فتراني أصغى إليه سميعا ويقول الفؤاد في السر مني * إن يكن ما يقول كان مطيعا إن لله في الوجود علوما * ليس تعطي لمن يكون مذيعا اعلم أيدنا الله وإياك أن للحق حكمين الحكم الواحد ما له من حيث هويته وليس إلا رفع المناسبة بينه وبين عباده والحكم الآخر هو الذي به صحت الربوبية الموجبة للمناسبة بينه وبين خلقه وبها أثر في العالم الوجود وبها تأثر مما يحدث في العالم من الأحوال فيتصف الحق عند ذلك بالرضا والسخط وغير ذلك وللعالم حكمان حكم به صحت المناسبة بينه وبين الحق
(٣٦)