فذاك الولي الذي لم يزل * على ما يراد به قلبه اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن هذا الذكر يعطي صاحبه أنه هو إذ لا يكتفي إلا به لأن النبي ص يقول ليس وراء الله مرمى فما كان من حجاب فما هو إلا بينك وبينه ما هو وراءه فإنه الأول وأنت الآخر وهو قبلتك فلا يكون له منك إلا المواجهة ثم أرسل بينك وبينه حجب الأسباب والنسب والعادات وجعلها صورا له من حيث لا تشعر فمن قال هي هو صدق ومن قال ما هي هو فللاختلاف الذي يراه فيها فيصدق فإنه يحجبه عن العلم به اختلاف الصور فكما يقطع أن هذه الصورة ليست هذه الصورة أي هذا السبب ما هو هذا السبب يقطع أنها ما هي هو وذهل عن حقيقة الحجاب أو كونها وإن اختلفت فهي واحدة في السببية أو الحجابية كذلك هي عينه وإن اختلفت وإن لم يكن الأمر هكذا وإلا فلا تصح المواجهة ألا ترى الأعمى إذا واجهته وكافحته لا يقدح عماه وكونه لا يراك وأنت تراه عن حكم المواجهة بينكما مع كون الأعمى يرى الظلمة بلا شك وأنت عنده في عين تلك الظلمة التي يراها فيدركك ظلمة لأنه يواجهك فيقول رأيت فلانا اليوم مواجهة ويصدق مع كونه أعمى فما وراء الله مرمى وما وراءك له مرمى لأن الصورة الإلهية بك كملت وفيك شهدت فهو حسبك كما أنت حسبه ولهذا كنت آخر موجود وأول مقصود ولولا ما كنت معدوما ما كنت مقصودا فصح حدوثك ولولا ما كان علمك به معدوما ما صح أن تريد العلم به فهذا من أعجب ما في الوجود أن يكون من أعطاك العلم بنفسه لا يعلم نفسه إلا بك لأن الممكنات أعطت العلم بأنفسها الحق ولا يعلم شئ منها نفسه إلا بالحق فلهذا كان حسبك لأنه الغاية التي إليها تنتهي وأنت حسبه لأنه ما ثم بعده إلا أنت ومنك علمك وما هي إلا المحال وهو عين العدم المحض الذي التبست بظله كما التبست بضوء الوجود النور فقابلت الطرفين بذاتك فإن نسب إليك العدم لم تستحل عليك هذه النسبة لظلمته عليك وإن نسب إليك الوجود لم يستحل لضوئه فيك الذي به ظهرت لك فلا يقال فيك موجود فإن ظل العدم الذي فيك يمنع من هذا الإطلاق إن تستحقه استحقاق من لا يقبل العدم ولا يقال فيك معدوم لأن ضوء الوجود الذي فيك يمنع من هذا الإطلاق إن تستحقه استحقاق من لا يقبل الوجود فأعطيت اسم الممكن والجائز لحقيقة معقولة تسمى الإمكان والجواز وحصل اسم الموجود للواجب بالذات لحقيقة تسمى الوجود وهي عين الموجود كما إن الإمكان عين الممكن من حيث ما هو ممكن لا من حيث هو ممكن ما وحصل اسم المعدوم للمحال وهو الذي لا يقبل الوجود لذاته لحقيقة تسمى العدم المطلق وهو الإحالة فأنت جامع الطرفين ومظهر الصورتين وحامل الحكمين لولاك لأثر المحال في الواجب وأثر الواجب في المحال فأنت السد الذي لا ينخرم ولا ينقصم فلو كان للعدم لسان لقال إنك على صورته فإنه لا يرى منك إلا ظله كما كان للوجود كلام فقال إنك على صورته فإنه رأى فيك صورته فعلمك بك لنوره وجهلك العدم المطلق لظله فأنت المعلوم المجهول وصورة الحق سواء فتعلم من حيث رتبتك لا من حيث صورتك إذ لو علمت من حيث صورتك لعلم الحق والحق لا يعلم فأنت من حيث صورتك لا تعلم فالعلم بك إجمال لا تفصيل فقد عرفتك ما يعطيك هذا الذكر من العلم بالله إن عقلت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل والهادي من يشاء إلى صراط مستقيم (الباب الخامس عشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وظن داود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب) الافتتان هو البلاء بعينه * فاسكن إذا ما يبتليك بحكمه واستغفر الرب الكريم بسجدة * منه فأنت معين في علمه واحذر من الفكر الدقيق فإنما * يؤتى الذي فهم الذي من فهمه الشأن فوق عقولنا وعيوننا * فاحذر من العقل الذي في زعمه إن العلوم لديه وهو مقيد * عبد الدليل بكيفه وبكمه
(١٥٤)