وما حاز المؤمن هذه السعة إلا بكونه على صورة العالم وعلى صورة الحق وكل جزء من العالم ما هو على صورة الحق فمن هنا وصفه الحق بالسعة قال أبو يزيد البسطامي في سعة قلب العارف لو أن العرش يعني ملك الله وما حواه من جزئيات العالم وأعيانه مائة ألف ألف مرة لا يريد الحصر وإنما يريد ما لا يتناهى ولا يبلغه المدى فعبر عنه بما دخل في الوجود ويدخل أبدا في زاوية من زوايا قلب العارف ما أحس به وذلك لأن قلبا وسع القديم كيف يحس بالمحدث موجودا وهذا من أبي يزيد توسع على قدر مجلسه لإفهام الحاضرين وأما التحقيق في ذلك أن يقول إن العارف لما وسع الحق قلبه وسع قلبه كل شئ إذ لا يكون شئ إلا عن الحق فلا تتكون صورة شئ إلا في قلبه يعني في قلب ذلك العبد الذي وسع الحق فهو الهيولى لكل صورة * من صورة صورة وسورة وأنت ما بين ذا وهذا * أقامك الحق فيه سورة وينظر إلى قول أبي يزيد ما قال الجنيد أن المحدث إذا قرن بالقديم لم يبق له أثر إلا أن قول الجنيد هنا أتم من قول أبي يزيد فإن المحدث إذا قرنته بالقديم كان الأثر للقديم لا للمحدث فتبين لك بهذه المقارنة ما هو الأمر عليه وهو ما قلناه فإنه لا يمكن أن يجهل الأثر وإنما كان قبل هذه المقارنة ينسب إلى المحدث فلما قرنه بالقديم رأى الأثر من القديم ورأى المحدث عين الأثر فقال ما قال ولا نشك بعد أن تقرر هذا أن الخليل إبراهيم ع بهذه المثابة هو والرسول صلوات الله عليهم قد وسع قلبه الحق فجعله تعالى مسندا ظهره إلى البيت المعمور وما دخله لأنه لو دخله لوسع البيت المعمور الحق لأنه قد وسع من وسعه وهي إشارة لا حقيقة فإن جسم إبراهيم ع محصور بجيرون بلا شك فما نريد إلا الصورة التي هو عليها في البرزخ الذي انتقل إليه بالموت وأما قوله وأخلاه من غيري هو قوله ع فيمن يقرأ القرآن من شغله ذكري يعني القرآن يقرأه العبد عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطى السائلين قال تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وهو القرآن وقال فاسألوا أهل الذكر يعني أهل القرآن لأنه قال ما فرطنا في الكتاب من شئ فهو الجامع لكل شئ فمن اعتقد غير أوجب عليه أن يخلي قلبه للحق والناس يتفاضلون في الدرجات فإن الله قد فضل العالم بعضه على بعض وأفضل المفاضلة فضل العلم بالله ألا تراه قد أعطاه تعالى أعني للإنسان بمنزلة الاسم الآخر الذي لله وأعطى نفسه تعالى الاسم الأول في رتبة العلم به وجعل الملك محاطا به بين الأول والآخر فمن كان له علم بالمراتب علم ما للملك من الله وما له من الإنسان ولهذا كان الملك وهو الروح الأمين يأتي بالوحي من الاسم الأول الذي لله إلى العبد الكامل الرسول النازل في منزل الاسم الإلهي الآخر وهو قوله تعالى شهد الله فبدأ بنفسه في الشهادة بتوحيده ثم ذكر الملائكة ثم ذكر بعد الملائكة أولي العلم وهم الأناسي فلله الأمر من قبل ومن بعد والملك ما بينهما وهكذا كان أمر الوجود فالأولية للحق ثم أوجد الملك ثم أوجد الإنسان وأعطاه الخلافة ولم يعطها الملك لأن الوسط له وكل وسط فهو محاط به فافهم فصورة فضل الملك على الإنسان بما أتاه به من عند الله وليس ذلك بدليل قاطع على الفضيلية في العقل وفي اللسان كما إن خلق السماوات والأرض أكبر من خلق الناس لأن الناس في رتبة الانفعال عن حركة الأفلاك وقبول التكوين الذي في العناصر فما ثم إلا وجوه خاصة وما ثم وجه محيط فمن وجه يفضل ومن وجه يكون مفضولا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس وأربعمائة في معرفة منازلة ما ظهر مني شئ لشئ ولا ينبغي أن يظهر) لو ظهرنا للشئ كان سوانا * وسوانا ما ثم أين الظهور أنت عين الوجود ما ثم غير * ولهذا أنا الإله الغيور لا تقل يا عبيد إنك أني * أنا باق وأنت فإن تبور كل وقت فأنت خلق جديد * ولهذا لك الفناء والنشور يقول الحق ما ثم شئ أظهر إليه لأني عين كل شئ فما أظهر إلا لمن ليست له شيئية الوجود فلا تراني إلا الممكنات في شيئية ثبوتها فما ظهرت إليها لأنها لم تزل معدومة وأنا لم أزل موجودا فوجودي عين ظهوري ولا ينبغي أن يكون الأمر إلا هكذا
(٨)