المأمور جعل للآمر أن يكون منه الأمر وحال المدعو جعل للداعي أن يكون منه الدعاء وكل واحد فحاله اقتضى أن يكون آمر أو داعيا فالدعاء والأمر نتيجة بين مقدمتين هما حال الداعي والمدعو والآمر والمأمور فزالت الوحدة وبان الاشتراك فالتوحيد الحق إنما هو لمن أعطى العلم للعالم والحكم للحاكم والقضاء للقاضي وليس إلا عين الممكن وهو الخلق في حال عدمه ووجوده كما قررناه في الباب قبل هذا والأحوال نسب عدمية وهي الموجبة لوجود الأحكام من الحكام في المحكوم به وعليه فالممكن مرجح في حال عدمه ووجوده فالترجيح أثر المرجح فيه وحال الترجيح أوجب للممكن أن يسأل وأن لا يسأل بحسب ما تقتضيه حاله لأنا ما عينا حالا من حال فبالحال يسأل فيؤثر الإجابة في المرجح والمرجح أعطى الحال في ترجيحه الذي أوجب السؤال المؤثر في المرجح الإجابة فلا يجيب المرجح إلا عن سؤال ولا سؤال إلا عن حال ولا حال إلا عن ترجيح ولا ترجيح إلا من مرجح ولا مرجح إلا من قابل للترجيح وهو الممكن والممكن أصل ظهور هذه الأحكام كلها فهو المعطي جميع الأسماء والأحكام وقبول المحكوم عليه بذلك والمسمى فما ظهر أمر إلا نتيجة عن مقدمتين فللحق التوحيد في وجود العين وله الإيجاد بالاشتراك منه ومن القابل فله من عينه وجوب الوجود لنفسه فهو واحد وله الإيجاد من حيث نفسه وقبول الممكن فليس بواحد في الإيجاد ولو صح توحيد الإيجاد لوجد المحال كما وجد الممكن وإيجاد المحال محال فإذا قلت على ما قد تقرر من وجود حق وخلق فقل بوجود مؤثر ومؤثر فيه مؤثر فيمن أثر فيه وإليه يرجع الأمر كله أي إلى هذا الحكم لا إلى العين (تنبيه) ثم لتعلم أن الله تعالى قد أمرنا بالرضا قبل القضاء مطلقا فعلمنا أنه يريد الإجمال فإنه إذا فصله حال المقضي عليه بالمقضي به انقسم إلى ما يجوز الرضاء به وإلى ما لا يجوز فلما أطلق الرضاء به علمنا أنه أراد الإجمال والقدر توقيت الحكم فكل شئ بقضاء وقدر أي بحكم مؤقت فمن حيث التوقيت المطلق يجب الايمان بالقدر خيره وشره حلوه ومره ومن حيث التعيين يجب الايمان به لا الرضاء ببعضه وإنما قلنا يجب الايمان به أنه شر كما يجب الايمان بالخير أنه خير فنقول إنه يجب على الايمان بالشر إنه شر وإنه ليس إلى الله من كونه شرا لا من كونه عين وجود إن كان الشر أمرا وجوديا فمن حيث وجوده أي وجود عينه هو إلى الله ومن كونه شرا ليس إلى الله قال ص في دعائه ربه والشر ليس إليك فالمؤمن ينفي عن الحق ما نفاه عنه فإن قلت فألهمها فجورها وتقواها قلنا ألهمها فعلمت أن الفجور فجور وأن التقوى تقوى لكي تسلك طريق التقوى وتجانب طريق الفجور فإن قلت فقوله كل من عند الله قلنا ليس ذلك في السيئة المحكوم بها في الشرع وذلك هو الشر وإنما هو فيما يسوءك والذي يسوءك إنما هو مخالفة غرضك وهو قولهم إنا تطيرنا بك فقال لهم الله قل كل من عند الله ما يسوءكم وما يحسن عندكم وقد تقرر قبل هذا أن القابل له الأثر في التعيين ما هو للمعطي فهو تعالى معطي الخير والقابل يفصله إلى ما يحكم به عليه من خير وشر فخيريته إبقاؤه على الأصل فله حكم الأصل ولهذا قال والخير كله بيديك وما حكم به من الشر فمن القابل وهو قوله والشر ليس إليك فإن قلت فهذا المخلوق على قبول الشر هو ممكن فلأي شئ لم يخلقه على قبول الخير فالكل منه قلنا قد قدمنا وبينا أن العلم تابع للمعلوم وما وجد الممكن إلا على الحال الذي كان عليه في حال عدمه من ثبوت وتغيير كان ما كان والحق ما علم إلا ما هو المعلوم عليه في حال عدمه الذي إذا ظهر في الوجود كان بتلك الحال فما طرأ على المعلوم شئ لم يتصف به في حال عدمه فما للعلم فيه أثر وما قلنا بالقدر إنه توقيت إلا لأنه من المقدار وما ننزله إلا بقدر معلوم وكل شئ خلقناه بقدر فاعلم ذلك والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع عشر وأربعمائة في معرفة منازلة ما ترى إلا بحجاب) من رأى الحق جهارا علنا * إنما أبصره خلف حجاب وهو لا يعرفه وهو به * إن هذا لهو الأمر العجاب كل راء لا يرى غير الذي * هو فيه من نعيم وعذاب صورة الرائي تجلت عنده * وهي عين الرائي بل عين الحجاب
(١٨)