ما هو من قول الله في النهي وإنما حكى الله نهى قومه له فقال قال له قومه أي قوم قارون لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين فهل أصابوا في هذا الإطلاق ولم يقيدوا أم لا فذلك أمر آخر فإن كان اتكالهم في ذلك على قرينة الحال فقد قيدوا لأن قرائن الأحوال تقيد وإن اقتضت الإطلاق في بعض المواطن فهو تقييد إطلاق لا تقييد ينتج لصاحب هذا الذكر الفرح بفضل الله وبرحمته فينتج له نقيض ذكره فتراه أبد آخرين القلب ما دام في الدنيا إلى الموت وإن فتح له ما يقع له به الفرح لو كان في غير هذا الهجير وذلك إذا فتح له فيما يوجب الفرح يرى ما عليه من الشكر لله فيما فتح له فيه فيعظم حزنه أشد مما كان فيه قبل الفتح كما فعل رسول الله ص حين بشر بأن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر فزاد في العمل شكر الله فقام حتى تورمت قدماه وقال أفلا أكون عبدا شكورا ومن كان في مقام يريد أن يوفيه حقه لا يمكن له الفرح إلا بعد أن لا يبقى عليه من حقه شئ ولا يزال هذا الحق المعين على المكلف المبشر بفضل الله وبرحمته عليه إلى آخر نفس يكون عليه في الدنيا فلا يفرح إلا عند خروجه منها فإنه لا يسقط عنه التكليف إلا بعد رحلته من دار التكليف وهي الدار الدنيا فمن ادعى هذا الذكر ورؤي عليه الفرح فما لهذا الذكر فيه أثر وليس من أهله ولقد رأى بعض الصالحين رجلا أو شخصا يفرح ويضحك فقال له يا هذا إن كنت ممن بشره الله فما هذه حالة الشاكرين لما بشرهم الله به وإن كنت ممن لم يبشره الله فما هذه حالة الخائفين فأنكر عليه حالة الفرح في الوجهين وهذا عين ما قلناه في هذا الهجير وهذه المحبة المنفية محبة خاصة لا كل محبة فإن المحبة الإلهية لها وجوه كثيرة ولا يلزم من انتفاء وجه منها انتفاء الوجوه كلها والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثاني والتسعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحد إلا من ارتضى من رسول) لو بد الغيب لعين لم يكن * ذاك غيبا أنه قد شهدا عالم الغيب فلا يظهره * لا ولا يظهر فيه أحدا فجميع الكون مشهود له * ما لديه غائب ما وجدا إنما الغيب لنا ليس له * ولهذا في الوجود انفردا ولذا قال لمن يشهد كن * فاتخذه يا ولي سندا اعلم أيدنا الله وإياك بروح القدس أنه من صادف العلم في ظنه أنه موصوف بالعلم عند نفسه وإن كان نعته العلم في نفس الأمر ولهذا قال رسول الله ص للرجل الذي وقع له إنها الفاتحة ليهنك العلم يعني في نفس الأمر ثم يقول النبي ص له ليهنك العلم فيما ذكر في واقعته حصل له العلم في نفسه كما هو في نفس الأمر لا بد من ذلك فاعلم إن الغيب على قسمين غيب لا يعلم أبدا وليس إلا هوية الحق ونسبته إلينا وأما نسبتنا إليه فدون ذلك فهذا غيب لا يمكن ولا يعلم أبدا والقسم الآخر غيب إضافي فما هو مشهود لأحد قد يكون غيبا لآخر فما في الوجود غيب أصلا لا يشهده أحد وأدقه أن يشهد الموجود نفسه الذي هو غيب عن كل أحد سوى نفسه فما ثم غيب إلا وهو مشهود في حال غيبته عمن ليس بمشاهد له فإذا ارتضى الله من ارتضاه لعلم ذلك أطلعه عليه علما لا ظنا ولا تخمينا فلا يعلم إلا بإعلام الله أو بإعلام من أعلمه الله عند من يعتقد فيه إن الله أعلمه وما عدا هذا فلا علم له بغيب أصلا وإنما اختص بهذا الإعلام مسمى الرسول لأنه ما أعلمه بذلك الغيب اقتصارا عليه وإنما أعلمه ليعلمه فتحصل له درجة الفضيلة على من أعلمه به لتعلم مكانته عند ربه فلهذا سماه رسولا وهذا النوع من الغيب لا يكون إلا من الوجه الخاص لا يعلمه ملك ولا غيره إلا الرسول خاصة سواء كان الرسول ملكا أو غيره فإن الله نفى أن يظهر على غيبه أحدا وإنما قال بأن الذي ارتضاه لذلك يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا عصمة له من الشبه القادحة فيه فهو علم لا دخول للشبه فيه على صاحبه وهذا هو صاحب البصيرة الذي هو على بينة من ربه في علمه وله ذوق خاص يتميز به لا يشاركه فيه غيره إذ لو شاركه لما كان خاصا فإذا جاء الرسول به لمن يعلمه فذلك ليس عند هذا المتعلم من علم الغيب فإن الرسول قد أظهره الله عليه فما هو عند هذا من علم الغيب الذي لا يظهر الله عليه أحدا وإنما هو ما يحصل لأي عالم كان من الوجه الخاص ولكنه الآن ليس بواقع في الدنيا لكنه يقع في
(١٢٨)