اليوم كذلك تكون غدا فاجهد أن تكون هنا ممن أبصر الأمور على ما هي عليه دليلك على ذلك أن الذي خلقه الله أعمى وهو المسمى بالأكمه إذا نام لا يرى في النوم كما لا يرى في اليقظة والأعمى إذا نام أعمى استيقظ أعمى والنوم موت أصغر فهو عين الموت من حيث إن الحضرة التي ينتقل إليها النائم هي بعينها التي ينتقل إليها الميت سواء واليقظة بعد النوم كالبعث بعد الموت ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا أي أشد عمى وهذه أخوف آية عند العارف إلا إن ثم شيئا أنبهك عليه وهو أنه لو كان هنا أعمى ومات أعمى لكان في الآخرة أعمى ولكن لا يكون أحد هنا أعمى قبل الانتقال ولو بنفس واحد ولكن الذي خلق أعمى لا من عمي بعد أن أبصر فإن الغطاء لا بد أن ينكشف فيبصر فما يموت الميت إلا بصيرا وعالما بما إليه بصير فيحشر على ذلك فافهم ومن ذلك أمر فامتثل ونهي فعدل قال العبد طائع في جميع حركاته وسكناته فإنه قابل كل ما يوجده الحق فيه من التكوين من حركة وسكون في الظاهر والباطن فالذي يخلق فيه إذا أمر بالتكوين فيه امتثل أمر ربه وإذا أراد أمرا ما ونهي عنه عدل عن إرادته إلى ما كون فيه فإن كون فيه ما يكون حكمه المخالفة لما أمره الشارع ونهاه عنه نسبت إليه المخالفة في عين الموافقة وهي نكتة غريبة لا يشعر بها فإن قبول المخالفة موافقة ومن كان هذا مشهده لا يشقى لا في الدنيا ولا في الآخرة فلا أطوع من الخلق لا وأمر الحق أي لقبول ما أمر الحق بتكوينه فيه ولكن لا يشعرون وليست الأوامر التي أوجبنا طاعتها إلا الأوامر الإلهية لا الأوامر الواردة على ألسنة الرسل فإن الآمر من الخلق طائع فيما أمر لأنه لو لم يؤمر بأن يأمر ما أمر فلو أن الذي أمره يسمع المأمور بذلك الأمر أمره لامتثل فإن أمر الله لا يعصى إذا ورد بغير الوسائط ومن ذلك من أيقن بالخروج لم يطلب العروج قال إذ ولا بد من الرجوع إليه فاعلم إنك عنده من أول قدم وهو أول نفس فلا تتعب بطلب العروج إليه وما هو إلا خروجك عن إرادتك لا تشهدها فإنه معك أينما كنت فلا تقع عينك إلا عليه لكن بقي عليك أن تعرفه إذ لو ميزته وعرفته لم تطلب العروج إليه فإنك لم تفقده فإذا رأيت من يطلبه فإنما يطلب سعادته في طريقه وسعادته دفع الآلام عنه ليس غير ذلك كان حيث كان فالجاهل كل الجاهل من طلب الحاصل فما أحد أجهل ممن طلب الله لو كنت مؤمنا بقوله تعالى وهو معكم أينما كنتم وبقوله فأينما تولوا فثم وجه الله لعرفت أن أحدا ما طلب الله وإنما طلب سعادته حتى يفوز من المكروه ومن ذلك ذوق العذاب للأحباب بعض ورثة أهل الكتاب عذب العذاب برؤية الأحباب * إذ كانت أعينهم تشاهد ما بي ليس العذاب سوى فراق أحبتي * إن اللذاذة رؤية الأحباب قال من ورثة الكتاب الظالم لنفسه بما يجهدها عليه فهو يظلم نفسه فيما لها من الحق لنفسه فهو في الوقت صاحب عذاب وألم لا يريد دفعه عنه لأنه استعذبه وهان عليه حمله في جنب ما يطلبه فإنه يطلب سعادته فإن الكتاب ضم معنى إلى معنى والمعاني لا تقبل الضم إلى المعاني حتى تودع في الحروف والكلمات فإذا حوتها الكلمات والحروف قبلت ضم بعضها إلى بعض فانضمت بحكم التبع لانضمام الحروف وانضمام الحروف تسمى كتابة ولولا ضم الزوجين ما كان النكاح والنكاح كتابة فالعالم كله كتاب مسطور لأنه منضود قد ضم بعضه إلى بعض فهو مع الإناث في كل حال يلد فما ثم إلا بروز أعيان على الدوام ولا يوجد موجد شيئا إلا حتى يحب إيجاده فكل ما في الوجود محبوب فما ثم إلا أحباب ومن ذلك من الجهل الاستتار من الأهل قال إن الجهول من أهل الله يستتر * والله يعلم ما يأتي وما يذر والأهل تعرف ما الرحمن يفعله * أو بعضه فاحذروه أنه خطر لو كان لي أمل في غير فاعله * ما كان ينفعني التخويف والحذر لكن لنا أمل فيه ومعتقد * وليس يلحقني في علمنا بشر
(٤٢٤)