أنه قال إنما الأعمال بالنيات وإنما لامرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه ثم يضاف إلى هذه الأجور قدر كرم المعطي وغناه وهذا يدخل تحت قوله ص إن في الجنة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر يعني من المجزيين وتحت قوله وزيادة من قوله للذين أحسنوا الحسنى وزيادة وهذه الزيادة ما عينها الحق لا حد وأكد هذا الأجر على غيره ممن له أجر على الله بالوقوع وهو الوجوب فإن الأجر قد يقتضيه الكرم من غير وجوب وقد يقتضيه الوجوب والذي يقتضيه الوجوب أعلى كما إن الفرائض أعلى وأحب إلى الله من النوافل صح في الخبر أن الله تعالى يقول ما نقرب إلى أحد بأحب إلي مما افترضته عليه فجعله أحب إليه ثم قال ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه وبصره فهذا نتيجة النوافل فما ظنك بنتيجة الفرائض وهي أن يكون العبد سمع الحق وبصره وقد بينا صورة ذلك فيما تقدم فيريد الحق بإرادة العبد وهذا المقام ذكرته العرب في حق محمد ص وفي النوافل يريد العبد بإرادة الحق ويظهر معنى ما ذهبنا إليه في اتصاف الحق بنعوت المخلوق وفي الوجه الآخر اتصاف العبد بصفات الحق وهذا في الشرع موجود (النوع الثالث) ممن أجره على الله وهو من عفا عمن أساء إليه وأصلح يعني حال من أساء إليه بالإحسان فأصلح منه ما كان أوجب الإساءة إليه منه فما أراد هنا بأصلح إلا هذا ولا يحصل في هذا المقام إلا من له همة عالية فإن الله قد أباح له أن يجازي المسئ بإساءته على وزنها فأنف على نفسه أن يكون محلا للاتصاف بما سماه الحق سيئة نفس الكريم كريمة في كل ما * تجري به الأهواء والأقدار والله يحكم في النفوس بقدرها * وهو الذي من حكمه يختار فيجئ ذو اللب المجوز عقله * غير الذي حكمت به فيحار يقول الله تعالى في هذا المقام ادفع بالتي هي أحسن يعني قوله وأصلح السيئة فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها يعني هذه الصفة إلا الذين صبروا حبسوا أنفسهم عن أن يجاز والمسئ بإساءته إساءة ولو علم الناس قدر ما نبهنا عليه في هذه المسألة ما جازى أحد من أساء إليه بإساءة فما كنت ترى في العالم إلا عفوا مصلحا لكن الحجب على أعين البصائر كثيفة وليست سوى الأغراض واستعجال التشفي والمؤاخذة ولو نظر هذا الناظر لما أساء هو على الله في رد ما كلفه به وركوبه الخطر في ذلك وإمهال الحق له وتجاوزه عنه في هذه الدار حتى يكون هو الذي يكشف نفسه حتى تقام عليه الحدود ويرمي نفسه في المهالك كما قال الصاحب لقد ستر الله عليه لو ستر على نفسه في المعترف بالزنى وإن الملائكة الكتاب لا يكتبون على العبد من أفعاله السيئة إلا ما تكلم بها وهو قوله ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وهو الكاتب وإن كانوا يعلمون ما تفعلون ما قال يكتبون ثم إنه من كرم الله إن الكشف أعطى وقد ورد به خبر أن العبد إذا عمل السيئة قال الملك لصاحبه الذي أمره الحق أن يستأذنه في كتاب السيئة أأكتب فيقول له لا تكتب وأنظره إلى ست ساعات من وقت عمله السيئة فإن تاب أو استغفر فلا تكتبها وإن مرت عليه ست ساعات ولم يستغفر فاكتبها سيئة واحدة ولا نكتبها إلا إذا تلفظ بها بأن يقول فعلت كذا أو تكون السيئة في القول فتكتب بعد مضى هذا القدر من الزمان وأي مؤمن تمضي عليه ست ساعات لا يستغفر الله فيها فلهذا النوع أجر على الله من وجهين أجر العفو وأجر العفو من الله كثير فإنه من الأضداد وأجر الإصلاح وهو الإحسان إليه المزيل لما قام به من الموجب للإساءة إليه والله يحب المحسنين ولو لم يكن في إحسانه المعبر عنه بالإصلاح إلا حصول حب الله إياه الذي لا يعدله شئ لكان عظيما فيكون أجر من هذا صفته على الله أجر محب لمحبوب وكفى بما تعطيه منزلة الحب فما يقدر أحد أن يقدر أجر ما يعطيه المحب لمحبوبه فهذا قد أومأنا إلى من له أجر على الله بأوجز عبارة طلبا للاختصار فإن المقام عظيم والمنازلة كبيرة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثامن عشر وأربعمائة في معرفة منازلة من لم يفهم لا يوصل إليه شئ)
(٢٤)