وإما مما تصوره القوة المصورة فإذا كان صاحب هذا النظر في الدنيا أعمى أي حائرا ويموت والإنسان إنما يموت على ما عاش عليه وهذا ما عاش إلا حائرا فيجئ في الآخرة بتلك الحيرة فإذا وقع له الكشف هناك زاد حيرة لاختلاف الصور عليه فهو أضل من كونه في الدنيا فإنه كان يترجى في الدنيا لو كشف له أن تزول عنه الحيرة وأما الطريق الثانية في العلم بالله فهو العلم عن التجلي والحق لا يتجلى في صورة مرتين فيحار صاحب هذا العلم في الله لاختلاف صور التجلي عليه كحيرة الأول في الآخرة فما كان لذلك في الآخرة هو لهذا الآخر في الدنيا وأما البصيرة التي يكون عليها الداعي والبينة فإنما ذلك فيما يدعو إليه وليس إلا الطريق إلى السعادة لا إلى العلم فإنه إذا دعا إلى العلم أيضا إنما يدعو إلى الحيرة على بصيرة أنه ما ثم إلا الحيرة في الله لأن الأمر عظيم والمدعو إليه لا يقبل الحصر ولا ينضبط فليس في اليد منه شئ فما هو إلا ما تراه في كل تجل فالكامل من يرى اختلاف الصور في العين الواحدة فهو كالحرباء فمن لم يعرف الله معرفته بالحرباء فإنه لا يستقر له قدم في إثبات العين فأصحاب التجلي عجلت لهم معرفة الآخرة فهم في الدنيا أعمى وأضل سبيلا من أصحاب النظر لأنه ليس وراء التجلي مطلب آخر للعلم بالله ولا يتضور وهذه الإشارة كافية لمن عقل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل فإن الكلام في هذا الذاكر واسع (الباب الثالث والأربعون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وما آتاكم الرسول فخذوه) عين الرسالة ما تأتي به الرسل * فخذه لا تتوقف أيها الرجل أنت المليك الذي جاءت رسالته * إليك فاعمل بها يصعد لك العمل إليه من غير قطع في مساحته * فإن توهمته فذلك الزلل واصعد إليه تنل عين البقاء به * وإن قعدت أتاك الصعق والخبل إن الظروف لتحوي من يحل بها * والأمر أنزه أن يجري له مثل عليك بالمنزل الأعلى فحل به * لا تقطعنكم الأغراض والعلل هو المنزه عن نعت وعن صفة * فلا يقوم به أمن ولا وجل فأنت أنت إذا إن كنت صاحبه * فاعمل لنفسك ما أصحابه عملوا ولا يقم بك فيما قد أتيت به * عجز ولا كسل فيه ولا ملل اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الله يعطي عباده منه إليهم وعلى أيدي الرسل فما جاءك على يد الرسول فخذه من غير ميزان وما جاءك من يد الله فخذه بميزان فإن الله عين كل معط وقد نهاك أن تأخذ كل عطاء وهو قوله وما نهاكم عنه فانتهوا فصار أخذك من الرسول أنفع لك وأحصل لسعادتك فأخذك من الرسول على الإطلاق ومن الله على التقييد فالرسول مقيد والأخذ مطلق منه والله مطلق عن التقييد والأخذ منه مقيد فانظر في هذا الأمر ما أعجبه فهذا مثل الأول والآخر والظاهر والباطن فظهر التقييد والإطلاق في الجانبين وذلك أن الرسول ص ما بعثه الله ليمكر بنا أعني بأمته وإنما بعثه ليبين لهم ما نزل إليهم فلهذا أطلق لنا الأخذ عن الرسول والوقوف عند قوله من غير تقييد فإنا آمنون فيه من مكر الله والأخذ عن الله ليس كذلك فإن لله مكرا في عباده لا يشعر به قال تعالى ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون وقال سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وقال وأكيد كيدا وقال إن كيدي متين وقال وهو خير الماكرين ولم يجعل للرسل في هذه الصفة قدما لأنهم بعثوا مبينين فبشروا وأنذروا وكله صدق وأعطى الرسول الميزان الموضوع فمن أراد السلامة من مكر الله فلا يزل الميزان المشروع من يده الذي أخذه عن الرسول وورثه فكل ما جاءه من عند الله وضعه في ذلك الميزان فإن قبله ملكه وإن لم يقبله سلمه لله وتركه فإن تركه عمل به ولم يجعل نفسه محلا لقبوله يقول الجنيد رضي الله عنه علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وهما كفتا الميزان ومعنى قوله أنه نتيجة عن العمل بالكتاب والسنة فإن عزمت على الأخذ عن الله ولا بد لحال غلب عليك فقل لا خلابة فإنك إذا قلت لا خلابة فإن كان من عند الله ثبت فأخذته وإن كان من مكر الله ذهب من بين يديك فلم تجده عند قولك لا خلابة فإن الأمر بيع وشراء وإن الله
(١٨٦)