خير ويعود وباله عليه فيكون ممن جنى على نفسه فإذا كشف الله له مثل هذا يتحرز في الدعاء وفيما يدعو فيه وكذلك يكشف له بخاصية ما يدعو به من الأسماء والكلمات ألا ترى ابن باعورا وكان قد آتاه الله العلم بخاصية آية من آياته فدعا بها على موسى ع وقومه فأجابه الله فيما دعا فيه وشقي هو في نفسه وسلب الله عنه علم ذلك وهو قوله تعالى واتل عليهم نبأ الذي آتيناه آياتنا فانسلخ منها الآيات وجعل مثله كمثل الكلب فيكشف الله لصاحب هذا الذكر علم هذا عناية منه به فإن في ذلك مكرا إليها من حيث لا يشعر ولا سيما والنفس مجبولة على حب الشفوف على أبناء الجنس وإظهار قدرها عند الله ولهذا أكابر الأولياء أخفياء أبرياء لا ترى عليهم من أثر المكانة والتقريب ما تحتد من أجله أبصار الخلق إليهم بل لا فرق بينهم وبين العامة والذين ملكتهم الأحوال لهم خرق العوائد والظهور ولكن لا يفي ذلك بما فيه من المكر والاستدراج فإنه في غير موطنه ظهر ممن لا يجب عليه الظهور به وهو الولي وأصعب ما في الأمر أن يذوق في ذلك طعم نفسه فإن صاحبه لا يفلح أبدا ولو صرف الكون والعالم على حكمه فإذا سألتم الله فاسألوه التوفيق والعافية والعناية في تحصيل السعادة وقل رب زدني علما فإن العلم يأبى إلا السعادة فإن الله ما أمر نبيه بطلب الزيادة منه إلا وقد علم إن عين حصول العلم المطلوب هو عين السعادة ما فيه مكر ولا استدراج أصلا وما هو إلا العلم بالله خاصة لا العلم بالحساب والهندسة والنجوم ولو علم ذلك لكان علم دلالة على علم بالله فلم يعطه الله ذلك للوقوف عنده فهذا ذكر عظيم الفائدة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والثلاثون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله وإنك لعلى خلق عظيم) إذا هيئت للخلق العظيم * فذاك بشارة الرب الكريم أتاك بها رسول الحال يسعى * بآيات العناية للعليم فقمت بها مقام الحق فيها * كما قام الحديث من القديم فحق لك الثناء بكل وجه * وكنت الوجه بالخلق العظيم فأنت الوارث الفرد الذي لم * يزل ندعوه بالبر الرحيم لك العلم الذي ما فيه ريب * أتتك به مؤاخاة الكليم فتدعى بالخليل وبالنديم * وتدعى بالحميم وبالقسيم هذه الآية تليت علينا تلاوة ننزل إلهي من أول السورة إلى قوله زنيم عرفنا الحق في هذه التلاوة المنزلة من عند الله في المبشرة التي أبقى الله علينا من الوحي النبوي وراثة نبوية لله الحمد ورثته فيها من قوله ولا تك في ضيق مما يمكرون وفي قوله ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون وقوله فأعرض عمن تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا فشكرت الله على ما حققني به من حقائق الورث النبوي وأرجو أن أكون ممن لا ينطق عن هوى نفسه جعلنا الله منهم فإن ذلك هو عين العصمة الإلهية فإذا أراد الله بصاحب هذا الذكر خيرا ألهمه لحديث عائشة في رسول الله ص لما سألت عن خلق رسول الله ص فقالت كان خلقه القرآن تريد هذه الآية وكل شئ عظمه الله يتعين تعظيمه على كل مؤمن فينظر صاحب هذا الذكر في القرآن فكل نعت فيه قد مدحه الله ومدح به طائفة من عباده كانوا ما كانوا فيعلم إن ذلك صفة مدح إلهي فليعمل على الاتصاف بتلك الصفات وإذا ذكر الله في القرآن صفة ذم بها طائفة من عباده كانوا ما كانوا تعين عليه اجتنابها فيأخذ القرآن منزلا فيه كان الحق ما خاطب به غيره فإذا فعل مثل هذا كان خلقه القرآن وعظمه الحق فعظم حيث تنفع العظمة ومكارم الأخلاق معلومة عقلا وعرفا والتصرف بها وفيها معلوم شرعا فمن اتصف بها على الوجه المشروع وزاد تتميم مكارم الأخلاق وهو إلحاق سفسافها بها فتكون كلها مكارم أخلاق بالتصرف المشروع والمعقول فقد اتصف بكل ثناء إلهي وصاحب هذا الذكر يفتح له في معاني آيات السورة التي نزل فيها على أكمل الوجوه ولا يزال محسودا وبالعداوة مقصودا وينكشف له أمر الآخرة عيانا ومن هذه السورة علم رسول الله ص علم الأولين والآخرين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل
(١٧٨)