للمحكوم عليه مع كونه حكما ولا هو جائر فإنه حكم بما شرع له من إقامة الشهود أو الإقرار الذي ليس بحق فكان اللفظ من الشاهد واللفظ بالإقرار من المقر أوجب له الحكم وإن كان قول زور أو شهادة زور وإنما قلنا فيه إنه أخو العليم لكونه في نفس الأمر ما يكون حكما حقيقة إلا يجعل المحكوم له أو عليه هذا هو التحقيق والأخوة هنا قد تكون أخوة الشقائق وقد تكون أخوة الصفة كأخوة الايمان وغير الايمان وقد تكون أخوة من الأب الواحد دون الآخر وقد تكون من الرضاعة فلذلك قلنا إنه أخو العليم وما بينا مراتب الأخوة فأحقها أخوة الايمان فإن بها يقع التوارث وهي أخوة الصفة كذلك الحكم ما حكم الحاكم على المحكوم عليه إلا لصفة لا لعينه ومن شرط الحكم أن يكون عالما بالحكم لا بالمحكوم عليه وله وإنما شرطه العلم بصفة ما يظهر من حال المحكوم عليه وله بما ذكرناه من شهود صدقوا أو كذبوا أو من إقرار صدق أو كذب فهو تابع أبدا فيكون عالما بالحكم لا بد من ذلك الذي يوجبه ويعينه ما قررناه والحق فيه مصادفة وهو موضع الإجماع مع كونه بهذه المثابة والخلاف في حكم الحاكم بعلمه دون إقرار ولا شهادة هل يجوز أو لا يجوز وقد بينا مذهبنا في هذه المسألة في هذا الكتاب في حكم الحاكم بعلمه أين ينبغي أن يحكم وأين ينبغي أن لا يحكم بعلمه فإنها من أشكل المسائل وعلى كل حال فهي حضرة مبهمة حكم حكمها الأشاعرة في الصفات الإلهية بقولهم لا هي هو ولا هي غيره مع قولهم بأنها زائدة بالعين على الذات وجودية لا نسبية وغير الأشعري لا يقول بهذا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة العدل) العدل لا يصلح إلا لمن * يفصل في الخلق إذا يعدل فإن أبي أكوانه عدله * فإنه بحقه يفضل ينعم بالفضل على خلقه * ويستر الستر إذا يسبل يدعى صاحبها عبد العدل وهو ميل إلى أحد الجانبين الذي يطلبه الحكم الصحيح التابع للمحكوم عليه وله أو للاقرار أو الشهود وغير ذلك لا يكون عدلا في الحكم ومن هذه الحضرة العجيبة خلق الله العالم على صورته ومن هنا كان عدلا لأنه تعالى عدل من حضرة الوجوب الذاتي إلى الوجوب بالغير أو إلى حضرة الإمكان كيف شئت فقل وعدل أيضا بالممكنات من حضرة ثبوتها إلى وجودها فأوجدهم بعد أن لم يكونوا بكونه جعلهم مظاهر وبكونه كان مجلي لظهور أحكامهم ومن هذه الحضرة عدوله من شأن يجوزه العقل في حق الممكن إلى شأن آخر يجوزه أيضا العقل والعدول لا بد منه فلا يعقل في الوجود إلا العدل فإنه ما ظهر الوجود إلا بالميل وهو العدل فما في الكون إلا عدل حيث فرضته وبالعدل ظهرت الأمثال وسمي المثل عدلا قال الله تعالى أو عدل ذلك صياما والذين كفروا بربهم يعدلون وهنا له وجوه في العدل منها عدولهم إلى القول بأن له أمثالا وليس كمثله شئ ومنها إنهم بربهم عدلوا لأنه لا حول ولا قوة إلا بالله ومنها أن الباء هنا بمعنى اللام فلربهم عدلوا لكون من عدلوا إليه إنما عدلوا إليه لكونه عندهم إلها فما عدلوا إلا لله كقوله ما خلقناهما إلا بالحق أي للحق كذلك بربهم يعدلون ولما قال الله عز وجل في هذه الآية الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ثم الذين كفروا بربهم يعدلون جعلوا له أمثالا فخاطب المانية الذين يقولون إن الإله الذي خلق الظلمة ما هو الإله الذي خلق النور فعدلوا بالواحد آخر وكذلك الذين يقولون بخلق السماوات والأرض إنها معلولة لعلة ليست علته الإله أي ليست العلة الأولى لأن تلك العلة عندهم إنما صدر عنها أمر واحد لحقيقة أحديتها وليس إلا العقل الأول فهؤلاء أيضا ممن قيل فيهم إنهم بربهم يعدلون وسماهم كفارا لأنهم إما ستروا أو منهم من ستر عقله عن التصرف فيما ينبغي له بالنظر الصحيح في إثبات الحق والأمر في نفسه على ما هو عليه فاقتصر على ما بدا له ولم يوف الأمر حقه في النظر وأما إن علم وجحد فستر عن الغير ما هو الأمر عليه في نفسه لمنفعة تحصل له من رياسة أو مال فلهذا قيل فيهم إنهم كفروا أي ستروا فإن الله حكيم يضع الخطاب موضعه والعدل هو الرب تعالى والرب على صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السماوات وما في الأرض والعدل الميل فالميل عين الاستقامة
(٢٣٦)