قال الله تعالى لا تدركه الأبصار التقدير فإذا ما يقول ربك إنني واحد فاعلم أنه عليك أحال اعلم أن العلم الدليلي البرهاني يقضي برفع المناسبة بين العالم وبين هوية الحق وأن ولا رؤية من راء إلا بمناسبة بينه وبين المرئي فالحق لا يراه غير نفسه من حيث هويته فصاحب هذا العلم في حال شهوده ورؤيته ربه يحكم أنه ما رآه وحكمه صحيح ورؤيته صحيحة فلهذا قال صرفت بصره عني فإذا صرف بصره عنه كان الحق بهويته بصر لهذا العبد فإذا رآه بهذه الحال يكون ممن رأى الحق بالحق والرائي عبد والمرئي حق والمرئي به حق وهذه أكمل رؤية تكون حيث كانت وقد ورد في الصحيح أن العبد يحصل له هذا المقام في الحياة الدنيا وفي هذه النشأة التي تفارقها النفس المطمئنة الناطقة بالموت فقال تعالى لا تدركه الأبصار فكثر وجمع فإنها أبصار الكون ولم يقل لا يدركه البصر وإن كان جمع قلة ولكن على كل حال هو أكثر من بصر قال الشاعر في جمع القلة بأفعل وبأفعال وأفعلة * وفعلة يجمع الأدنى من العدد فافعل مثل أكلب وأفعال مثل أبصار وأفعلة مثل أكسية وفعله مثل فتية ولما كانت هويته أحدية الوصف لم يكن فيها كثرة وهي بصره في كل مبصر فهو وإن تعددت ذوات المبصرين فالبصر واحد من الجميع إذ كان البصر هوية الحق فيصح إن البصر عند ذلك يدركه لأنه ليس غيره فهو الرائي والمرئي به والمرئي فإن الحقيقة المنفية في هذه الآية في قوله لا تدركه الأبصار إن الأبصار هنا معان يدرك بها المبصرات ما هي تدرك المبصرات بخلاف ما هنا فإنه إذا كان عين الحق عين بصرك فيصح أن يقال في مثل هذا يدركه البصر فينسب الإدراك إليه مع صحة كونه بصرا للعبد فتفطن لهذه المسألة فإنها نافعة جدا وتعلم من ذلك أن لله عبادا عجل لهم رؤيته في الدنيا قبل الآخرة ولله عبادا أخر لهم ذلك ولله عبادا لا يرونه إلا بأبصارهم في الآخرة وينزلون عن رتبة هؤلاء في الرؤية ولله عبادا يرونه في الدنيا بأبصار إيمانهم وفي الآخرة البرزخية بأعين خيالهم يقظة ونوما وموتا ومن هنا قال من قال من أهل الله أن العلم حجاب يريدون علم النظر الفكري أي العلم الذي استفاده العاقل من نظره في الله فهذا معنى قوله صرفت بصره عني فما رآني من رآني إلا بي ومن رآني ببصره فما رأى إلا نفسه فإنني بصورته تجليت له فرجال الله علموا الله بإعلام الله تعالى فكان هو علمهم كما كان بصرهم فمثل هؤلاء لو تصور منهم نظر فكري لكان الحق عين فكرهم كما كان عين علمهم وعين بصرهم وسمعهم لكن لا يتصور من يكون مشهده هذا وذوقه أن يكون له فكر البتة في شئ إنما هو مع ما يوحى إليه على اختلاف ضروب الوحي وإنه من ضروب الوحي الفهم عن الله ابتداء من غير تفكر فإن أعطى الفهم عن تفكر فما هو ذلك الرجل فإن الفهم عن الفكر يصيب وقتا ويخطئ وقتا والفهم لا عن فكر وحي صحيح صريح من الله لعبده وذوق الأنبياء ع في هذا الوحي يزيد على ذوق الأولياء فإن قابل الأخص في الأعم محصل للأعم وليس قابل الأعم الذي لا يتعين فيه الأخص يحصل له فيه ذوق الأخص وإن كان مندرجا فيه فلا حكم له في الذوق وإن كان له حكم في الكل إلا أنه لا يقدر على الفصل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والعشرون وأربعمائة في معرفة منازلة السر الذي قال منه رسول الله ص حين استفهم عن رؤية ربه فقيل له رأيت ربك في ليلة الإسراء فقال نور إني أراه) النور كيف يراه الظل وهو به * قد قام في الكون عينا في تجليه فإن تحلى بنعت النور كان له * حكم التجلي ولكن في تحليه الروح ظل وعين الجسم يبديه * من نور ذات يراه في تدليه وليس يدري الذي قلناه غير فتى * ذي خلوة فيراه في تخليه وقد يراه الذي ولى بصورته * عنه فبان له لدى توليه قال الله عز وجل الله نور السماوات والأرض فمن النور من يدرك به ولا يدرك في نفسه فهو حجاب عليك عن نفسه وأنت والعلم حجاب عليك وقوله ص إن لله سبعين ألف حجاب أو سبعين حجابا الشك مني من نور وظلمة
(٣٨)