فنقول إنه أمر وجودي من حيث إنه يرانا كما قلنا فينا من حيث إنا ندركه فالأمر واحد فقد حرنا فينا وفيه فمن نحن ومن هو وقد قال له بعضنا أرني أنظر إليك قال لن تراني وقال عن نفسه ألم يعلم بأن الله يرى وخبره صدق وقد أعلم أن بعض العالم يعلم أن الله يرى ثم قال بآلة الاستدراك فعطف ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني ثم تجلى للجبل فاندرك الجبل ولا أدري عن رؤية أو عن مقدمة رؤية لا بل عن مقدمة رؤية وصعق موسى عن تلك المقدمة فلما أفاق قال تبت أي رجعت إلى الحالة التي لم أكن سألتك فيها الرؤية وأنا أول المؤمنين أي المصدقين بقولك لن تراني فإنه ما نزل هذا القول ابتداء إلا علي فإنا أول المؤمنين به ثم يتبعني في الايمان به من سمعه إلى يوم القيامة فما ظهر لطالب الرؤية ولا للجبل لأنه لو رآه الجبل أو موسى لثبت ولم يندك ولا صعق فإنه تعالى الوجود فلا يعطي إلا الوجود لأن الخير كله بيديه والوجود هو الخير كله فلما لم يكن مرئيا أثر الصعق والاندكاك وهي أحوال فناء والفناء شبيه بالعدم والحق لا يعدم عدم العين ولكن يكون عنه العدم الإضافي وهو الذهاب والانتقال فينقلك أو يذهبك من حال إلى حال مع وجود عينك في الحالين من مكان إلى مكان مع وجود عينك في كل واحد منهما وبينهما وهو قوله إن يشأ يذهبكم ويأت بآخرين فالإتيان بصفة القدرة والذهاب بالإرادة من حيث ما هو ذهاب خاصة وهذه التفاصيل في غير مفصل لا يكون وليس من شأن المفصل الوجود فإنا نفصل المعدوم إلى محال وإلى ممكن مع كونه معدوما وبقي الكلام فيمن يفصله والكلام عليه مثل الكلام في الرائي والمرئي وقد تقدم فما ذا نقول أو ما نعول عليه فرأينا أن نترك الأمر على حاله كان ما كان إذ الأغراض حاصلة والإدراكات واقعة واللذات حاكمة والشهود دائم والنعيم به قائم ودع يكون ما يكون من عدم أو وجود أو حق أو خلق بعد أنه لا ينقصنا شئ مما نحتاج إليه لا نبالي ولو وقع الإخبار الإلهي لكان الكلام فيه والنظر على ما هو عليه الآن لا يزيد الأمر ولا ينقص فإنه إذا ورد فلا بد من سمع يتعلق به ذلك الخطاب وفهم ومدلول ومتكلم وسامع وهذا عين ما كنا فيه فترك ذلك أولى ونقول ما يقول كل قائل فإن الأمر كله عين واحدة في الحيرة في ذلك فكله صدق ما هو باطل فإنه واقع في الذهن وفي العين وفي جيع الإدراكات فالجنوح إلى السلم أولى بالإنسان فإن جنحوا للسلم يعني في الاعتبار والإشارات هذه الخواطر التي أدتك إلى النظر فيما أنت مستغن عنه فأنزلهم الحق هنا منزلة الأعداء لأهل الإشارات فإن جنحوا للسلم وهو الصلح بأن يترك الأمر على ما هو عليه ولا يخاض فيه فاتك إنما تخوض فيه لكونه آية من الله عليه وقد قال وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وليس إلا الاشتعال بما نأكل ونشرب وننكح وتتصرف فيه من الأعمال المشروعة التي تؤدي إلى السعادة الأخروية وما هذه الأمور قلنا لا ندري إنما نعمل كما أمرنا لنصل إلى ما قيل لنا فإنا ما كذبنا بل رأينا ما مضى كله حق لم يختل شئ منه كذلك ما بقي وقد جنحوا للسلم فأمرنا الله فقال لنبيه ص فاجنح لها وتوكل على الله فالعاقل يقول بالسمع والطاعة لأمر الله وهذه حالة معجلة وراحة فليس الظهور سوى ما ظهر * وليس البطون سوى ما استسر فأين الذهاب وأين الإياب * وأين القرار وأين المقر فمنا إليه ومنه إلينا * وكل بحكم القضاء والقدر فلا تبكين على فائت * فما فات شئ وما ساء سر فما ثم إلا مضاف وما * يضاف إليه فجز واعتبر وقل ما تشاء على من تشاء * فإن الوجود بهذا ظهر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباطن حضرة البطون) السر ما بطنت فيه حقيقته * والجهر يظهره لكل ذي بصر لولا البطون ولولا سر حكمته * ما فضل الله مخلوقا على البشر
(٣٠٠)