إلا إلى الأسباب وكيف وقد قال وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ويا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله ولم يذكر قط افتقار مخلوق لغير الله ولا قضى أن يعبد غير الله فلا بد أن يكون هو عين كل شئ أي عين كل ما يفتقر إليه وعين ما يعبد كما أنه عين العابد من كل عابد بقوله أيضا كنت سمعه حين خاطبه بالتكليف والتعريف فما سمع كلامه إلا بسمعه وكذلك جميع قواه التي لا يكون عابد الله إلا بها فلم يظهر في العابد والمعبود إلا هويته فحكمته وسببه وعلته لم تكن إلا هو ومعلوله ومسببه لم يكن إلا هو فإياه عبد وعبد قال ص في خطبته لما أثنى على ربه فإنما نحن به وله فخاطب وسمع وهذا أمر لا يندفع فإنه عين الأمر غير إن الفضل بين الناس هو بما شاهده بعضهم وحرمه بعضهم فيعلم العالم من غيره ما لا يعلمه الغير من نفسه مما هو عليه في نفسه فظهر التفاضل ومع هذا الظهور لا يخرج المخلوق عن أن يكون الحق هويته بدليل تفاضل الأسماء الإلهية وهي الصفات وليست غيره فلا يعلم الخلق إلا به ولا يعلم الحق إلا بها وأما وصفه بالغنى عن العالم أنما هو لمن توهم إن الله تعالى ليس عين العالم وفرق بين الدليل والمدلول ولم يتحقق بالنظر إذا كان الدليل على الشئ نفسه فلا يضاد نفسه فالأمر واحد وإن اختلفت العبارات عليه فهو العالم والعلم والمعلوم فهو الدليل والدال والمدلول فبالعلم يعلم العلم فالعلم معلوم للعلم فهو المعلوم والعلم والعلم ذاتي للعالم وهو قول المتكلم ما هو غيره فقط وأما قوله وما هو هو بعد هذا فهو لما يرى من أنه معقول زائد على ما هو فبقي أن يكون هو وما قدر على أن يثبت هو من غير علم يصفه به فقال ما هو غيره فحار فنطق بما أعطاه فهمه فقال إن صفة الحق ما هي هو ولا هي غيره ولكن إذا قلنا نحن مثل هذا القول ما نقوله على حد ما يقوله المتكلم فإنه يعقل الزائد ولا بد ونحن لا نقول بالزائد فما يزيد المتكلم على من يقول إن الله فقير إلا بحسن العبارة ونعوذ بالله أن نكون من الجاهلين فهذا بعض نتائج هذا الهجير والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الأحد والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم) إذا أحببت ربك باتباع * أحبك مثل ذلك ثم زاد على الحب المضاعف سترضون * أتتك به السيادة حين سادا وإن أحببته بخلاف هذا * أفدت ولم تكن ممن أفادا وقال ص عن الله إن الله تعالى يقول ما تقرب المتقربون بأحب إلي من أداء ما افترضته عليهم ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت له سمعا وبصرا ويدا ومؤيدا وقد ورد أتم من هذا فهذا الهجير إذا التزمه العبد أو من التزمه وتحقق به فتح عليه في معرفة نفسه وربه وعلم إن عبادة الفرائض عبادة حقيقية جبرية وعبادة النوافل عبادة اختيارية فيها رائحة ربوبية لأنها تواضع والتواضع تعمل لا يقوم إلا ممن له سهم في الرفعة والعبد ليس له نصيب في السيادة ولهذا ورد العبد من لا عبد له فلهذا نقص عن درجة الفرض النفل لأن العبد نقصه من العلم بالأمر على قدر ما اعتقده من النفل بل من أول قدم في النفل اتصف بالنقص في العلم بما هو الأمر عليه وهذا علم شريف يورث سعادة لمن قام به لا تشبهها سعادة وذلك أن العبد هو عبد لذاته ولكن لا تعقل له عبودية ما لم يعقل له استناد إلى سيد والرب رب لذاته ولكن لا يعقل له ربوبية ما لم يعقل له مربوب هو مستنده فكل واحد سند للآخر فالمعلوم أعطى العلم للعالم فصيره عالما والعلم صير المعلوم معلوما ومن حيث ارتفاع هذا الذي قلناه فلا عالم ولا معلوم ولا رب ولا مربوب وليس الأمر إلا عالم ومعلوم ورب ومربوب وهو الذي عليه الوجود فليتكلم بما أعطاه الوجود والشهود وليثرك وهميات الجائز العقلي فإن القول بذلك له موطن خاص في ذلك الموطن سلطانه فنقول قد أخبر الله تعالى أن لله عبادا يحبهم ويحبونه فجعل محبتهم وسطا بين محبتين منه لهم فأحبهم فوفقهم بهذه المحبة لاتباع رسوله فيما جاءهم به من الواجبات عليهم والترغيب في إن يوجبوا على أنفسهم صورة ما أوجبه عليهم يسمى نافلة ثم أعلمهم أنهم إذا اتبعوه فيما جاء به أحبهم فهذا الحب الإلهي الثاني ما هو عين الأول فالأول حب عناية والثاني حب جزاء وكرامة بوافد محبوب
(١٠٢)