الرحمة من الالتذاذ إذ بذلك اللدغ فإنه بمنزلة الجرب بالحك أنت تدميه وهو يجد اللذة بذلك الإدماء وكلما قوى الحق عليه تضاعفت اللذة حتى أنه يبادر إلى حك نفسه بيده لما يجد في ذلك من الالتذاذ به مع سيلان دمه في ذلك الحك فجهنم دار الغضب الإلهي وحاملته والمتصفة به وكذلك من فيها من وزعة الغضب والمغضوب عليه بما يجده لا بما في نفوس هؤلاء ولكن لا يحصل لهم هذا إلا بعد استيفاء الحدود والإحساس بالآلام عند نضج الجلود فتبدل لذوق العذاب كما تبدلت الأحوال عليهم في الدنيا بأنواع المخالفات فلكل نوع عذاب ولهم جلد خاص يحس بالألم كما كان هنا دائما في تجديد خلق والناس في هذا التجديد في لبس فإذا انتهى زمان المخالفة المعينة انتهى نضج الجلد فإن شرع عند انتهاء المخالفة في مخالفة أخرى أعقب النضج تبديلا بجلد آخر ليذوق العذاب كما ذاق اللذة بالمخالفة وإن تصرف بين المخالفتين بمكارم خلق استراح بين النضج والتبديل بقدر ذلك فهم على طبقات في العذاب في جهنم ومن أوصل المخالفات ومذام الأخلاق بعضها ببعض فهم الذين لا يفتر عنهم العذاب فلما انتهى بهم العمر إلى الأجل المسمى انتهت المخالفة فتنتهي العقوبة فيهم إلى ذلك الحد وتكتنفهم الرحمة التي وسعت كل شئ ولا تشعر بذلك جهنم ولا وزعتها أعني ما فيها من الحيوانات المضرة لا ملائكة العذاب فتبقى أحوال جهنم على ما هي عليه والرحمة قد أوجدت لهم نعيما لهم في تلك الصورة بحكمها فإن الرحمة هي السلطانة الماضية الحكم على الدوام فافهم ما أومأنا إليه فإنه من لباب الحفظ الإلهي حفظ المراتب وربك على كل شئ حفيظ والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة المقيت) إن الذي قدر الأقوات أجمعها * هو المقيت الذي لعبده شرعه وهو الذي قدر الأوقات جملتها * رزقا وخلقا ومصنوعا كما صنعه عبد المقيت هو أخ شقيق لعبد الرزاق فإن الرزق قوت المرزوق وهو على مقدار خاص لا يزيد ولا ينقص في كل شهوة في الجنان وفي كل دفع ألم وشهوة في الدنيا لأنها دار امتزاج ونشأة أمشاج فمن هذه الحضرة يكون القوت لكل من لا يقوم له بقاء صورة في الوجود إلا به ومن هذه الحضرة يكون تعيين أوقات الأقوات وموازينها كما قال تعالى في خلق الأرض وقدر فيها أقواتها أي أعطى مقادير أوقات الأقوات وموازينها وهذه الأقوات عين الوحي الذي في السماء فالقوت في الأرض كالأمر في السماء وتقدير القوت في الأرض كالوحي في السماء وهو عينه لا غيره فأوحى في السماء أمرها وهو تقدير أقواتها وقدر في الأرض أقواتها بروج السماء لها قوة * بها يبعث الله أمواتها * وحكمتها في الثرى سيرها * ليجمع بالسير أشتاتها فإن الإله بناها لنا * وعين بالسير أوقاتها * فكان غذاء لها وقتها * وقدر في الأرض أقواتها وهو وحي أمرها واختلفت الأسماء لاختلاف المحال والصور وعم بالسماء والأرض ما علا من العالم وما سفل وما في الوجود إلا عال وسافل ومن أسمائه العلى ورفيع الدرجات فأمر الأسماء وأقواتها أعيان آثارها في الممكنات فبالآثار تعقل أعيانها فلها البقاء بآثارها فقوت الاسم أثره وتقديره مدة حكمه في الممكن أي ممكن كان ومن هذه الحضرة وإن من شئ إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم والخزائن عند الله تعلو وتسفل فأعلاها كرسيه وهو علمه وعلمه ذاته وأدنى الخزائن ما خزنته الأفكار في البشر وما بين هذين خزائن محسوسة ومعقولة وكلها عند الله فإنه عين الوجود فهي حضرة جامعة للأعيان والنسب والحدوث والقدم فالخلق والخالق والمقدور والقادر والملك والمالك كل واحد لصاحبه أمر وقوت فأمره في سمائه وهو علوه وقوته في أرضه وهو دنوه فإنا من أهل الأرض ونحن المخاطبون بهذا الخطاب ليس غيرنا ولهذا كان القرآن منزلا والنزول لا يكون إلا من علو كما العروج لا يكون إلا إلى علو فمن سفل إلى علو عروج * ومن علو إلى سفل نزول وكل جاء في التنزيل فينا * فمهما قلت فانظر ما تقول ولما لم يكن في الكون إلا علة ومعلول علمنا إن الأقوات العلوية والسفلية أدوية لإزالة أمراض ولا مرض إلا الافتقار
(٢٤٨)