سماعه مرتبته فيجمع بين السماع وشهود الرتبة فيلحقه بها عن كشف من غير مشقة ولقد رأينا جماعة من أهل الله يتعبون في هذا المقام يطلب المناسبات بين الأخبار وبين المراتب حتى يعثروا عليها وحينئذ يلحقوا ذلك الخبر بأهله فتفوتهم أخبار إلهية كثيرة وأما إعطاء هذه الحضرة الأمان فليس ذلك إلا للمتحققين بالخوف فلا تزال المراتب تنظر إلى الأخبار التي ترد على ألسنة القائلين وتعلم أنها لها وتعلم أن الآخذين بها هم السامعون وإن السامعين قد يأخذونها على غير المعنى الذي قصد بها فيلحقونها بغير مراتبها فتلك المرتبة التي ألحقوها بها تنكرها ولا تقبلها ومرتبتها تعرفها وقد حيل بينها وبينها بسوء فهم السامع فإذا علموا من السامع أنه على صحة السمع والصدق فيه وأنه لا يتعدى بالخطاب مرتبته كانت المرتبة في أمان من جهة هذا السامع فيما هو لها فتعلم إن حقها يصل إليها فهي معه مستريحة آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل سامع بهذه المثابة فلهذا للسامع أجر الأمان وهو أجر عظيم في الإلهيات فيهزأ الإنسان في كلامه ويسخر ويكفر ويقصد به ما لم يوضع له وهذا السامع الكامل يأخذه من حيث عينه لا من حيث قصد المتكلم به فإنه ما كل متكلم من المخلوقين عالم بما تكلم به من حيث هو خطاب حق فيتكلم به من حيث قصده ويأخذه السامع الكامل من حيث رتبته في الوجود فقد أعطى هذا السامع الأمان للجانبين الجانب الواحد الحاقة برتبته والجانب الآخر ما حصل لمن قصد به المتكلم به من الأمان من حصوله عنده من جهة هذا السامع الكامل فإنه في الزمن الواحد يكون له سامعان مثلا الواحد هذا الذي ذكرناه والآخر على النقيض منه ما يفهم منه إلا ما قصده المتكلم المخلوق فيلحقه بهذه الرتبة في الوقت الذي يأخذه عنها السامع الكامل فهي تحت وجل من هذا السامع الناقص التابع للمتكلم وفي أمان من هذا السامع الكامل فلا والله ما يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون أنما يتذكر ما قلناه أولو الألباب الغواصون على درر الكلام (حضرة الشهادة وهي للاسم المهيمن) إن المهيمن يشهد الأسرارا * فينا وفيه ويستر الأنوارا عنا وعنه بنا إذا ما نوره * يعمى البصائر فيه والأبصارا ولذاك ما اتخذ الحجاب لنفسه * والجند والأعوان والأنصارا جاءت به الإرسال من عرش العما * ليحير الألباب والأفكارا ويفوز أهل الذكر من ملكوته * بالذكر حين يشاهدوا الأخبارا صاحبها عبد المهيمن المهيمن هو الشاهد على الشئ بما هو له وعليه ولله حقوق على العباد وللعباد حقوق على الله تعالى ذاتية ووضعية ومن هذه الحضرة يقول الله تعالى وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم فلا بد لصاحب هذه الحضرة من العلم بما لله عليه من الحقوق وبما له عليه من الحقوق لا بد من ذلك وافترق أهل هذا المقام بعد تحصيل هذا في الحقوق التي لهم عند الله فمن قائل بها على أنها حقوق ومن قائل بها لا على أنها حقوق فيأخذونها منه على جهة الامتنان وهم القائلون بأن الله لا يجب عليه شئ لكونهم حدوا الواجب بما لا يليق أن يدخل في ذلك جناب الحق ومن لم يحده بذلك الحد أدخل الحق في الوجوب كما أدخل الحق نفسه فيه فقال كتب ربكم على نفسه الرحمة وقال حرمت الظلم على نفسي وقال وأكره مساءته ولا يرضى لعباده الكفر وقال إن يشأ يذهبكم وقال وما تفعلوا من خير فلن تكفروه فأدخل نفسه بكل ما ذكرناه تحت حكم الأحكام التي شرعها لعباده من وجوب وحظر وندب وكراهة وإباحة والحق متى أقام نفسه في خطابه إيانا في صورة ما من الصور فإنا نحمل عليه أحكام تلك الصورة لأنه لذلك تجلى فيها فنشهد له على أنفسنا ونشهد عليه لأنفسنا وهذه الشهادة له وعليه لا تكون إلا في يوم الفصل والقضاء أي وقت كان فإنه ما يختص به يوم القيامة فقط بل قد يقام فيه العبد هنا في حال من الأحوال بل كل حكم يكون في الدنيا في مجلس الشرع هو من يوم الفصل والقضاء ويدخل في حكم هذه الحضرة وفي غير فصل ولا قضاء لا يكون لهذه الحضرة حكم وإنما ذلك في حضرة المراقبة وسترد إن شاء الله تعالى في هذا الباب واعلم أنه من هذه الحضرة نزل هذا الكتاب المسمى قرآنا
(٢٠٥)