رأيته على غير صورتك فما رأيته من كونك شعيرة له فلا تنكره إذا رأيت ما لا تعرف حين ينكره غيرك فإن تلك الحضرة لا مجلي لأحد فيها إلا لله فإذا كان هذا ارجع في نظرك منه إليك فترى نفسك في تلك الصورة التي رأيته عليها وما أنت انصبغت بها منه وإنما هي أيضا صورتك في ثبوتك وما كان وصل وقت دخولك فيها وظهورك بها فإن الصور تتقلب عليك إلى ما لا نهاية له وتتقلب فيها أنت وتظهر بها إلى ما لا نهاية فيه ولكن حالا بعد حال انتقالا لا يزول وقد علمك تعالى في هذه الصور على عدم تناهيها فتجلى لك في صورة لم يبلغ وقت ظهورك بها لأنك مقيد وهو غير مقيد بل قيده إطلاقه وإنما يفعل هذا مع عباده ليظهر لهم في حال النكرة ولهذا ينكرونه إلا العارفون بهذا المقام فإنهم لا ينكرونه في أي صورة ظهر فإنهم قد حفظوا الأصل وهو أنه ما يتجلى لمخلوق إلا في صورة المخلوق أما التي هو عليها في الحال فيعرفه أو ما يكون عليها بعد ذلك فينكره حتى يرى تلك الصورة قد دخل فيها فحينئذ يعرفه فإن الله علمه وعلم ما يؤول إليه والمخلوق لا يعلم من أحواله إلا ما هو عليه في الوقت ولذلك يقول رب زدني علما ومن عباد الله من يعلم ذلك إذا رأى الحق في صورة لا يعرفها علم بحكم الموطن وما عنده من القبول أنه ما تجلى له إلا في صورة هي له وما وصل وقتها فعلمها قبل إن يدخل فيها فهذا من الزيادة في العلم التي زادها الله فشكر الله الذي عرفه في موطن الإنكار ولذلك عظم الله هذا الفضل فقال وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما فكان الحق في هذا الموطن من شعائر نفسك فعرفت نفسك به كما عرفته بنفسك فتأمل فاجتمعنا في الشعائر * وافترقنا في السرائر * فلنا منه التجلي * وله منا الضمائر فلمثل ذا عبيد * هائم فيه يبادر * فإذا علمت هذا لم تكن * عنه بصادر فهو الصادر عنكم * مثل أوراق الدفاتر * بعضها يستر بعضا * بأوائل وأواخر فليبادر من يبادر * وليفاخر من يفاخر فما عظم الله شعائره سدى لأنه ما عظم إلا من يقبل التعظيم وأما العظيم فلا يعظم فإن الموجود لا يوجد والله عظيم والعالم كله لا مكانه حقير إلا أنه يقبل التعظيم ولم يكن له طريق في التعظيم إلا أن يكون من شعائر الله عليه فلما كان في نفس الأمر شعيرة عليه عرفنا الحق بذلك فنظرنا فرأينا حقيقة قوله فاستدللنا بنا عليه وبه إذا ظهر في النكرة علينا فمنه إلى دليل علي * ومني إليه دليل عليه فنحن لديه كما قاله * بأعماله ثم نحن لديه وأعماله عين أعياننا * فبدئي منه وعودي إليه ولو لم يكن الأمر هكذا ما صدق اتخاذك إياه وكيلا والمال ماله فالمال مالك والإشارة أن الصورة صورتك فصدق لن تراني إذ قال له موسى رب أرني انظر إليك فقال لن تراني وأداة لن تنفي الأفعال المستقبلة والإشارة إن من جهلك في الحال جهلك في المال لأنك إذا ظهرت له في المال ما تظهر له بصورة الحال التي جهلك فيها عند طلبه رؤيتك وإنما تظهر له بصورة حال ذلك المال فلا يزال منكرا ما يرى حتى يعرف الموطن وحكمه فيعلم ما يرى وما هو الحكم عليه فإن الله لم يزل ظاهر الذي عينين وأعين وأما ذو العين الواحدة فهو دجال أعور لم يزل في ربقة التقييد مغلولا فمن فتح الله عينيه التي أمتن الله بهما عليه في قوله عز وجل ألم نجعل له عينين ليشهدني في الحالين في الحال الراهنة والحال المستقبلة فمن لم يرني في الحال وهو ناظر إلي فإنه أبعد أن يراني في حال المال وهو يراني ولكن لا يعرف أني مطلوبه وسبب ذلك أنه يطلبني بالعلامة وهل هذا إلا عين الجهل بي وهل ثم غيري أو يكون وليسنى * فيا خيبة الأبصار عند البصائر فإياك والأفكار إن كنت طالبا * فإن محل الابتلاء سرائري والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والسبعون وأربعمائة في معرفة حال قطب كان منزله لا حول ولا قوة إلا بالله)
(١١٠)