(الباب الثالث عشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله كهيعص ذكر رحمة ربك عبده زكريا) إذا ذكرتني رحمة الرب لم أزل * أقول له يا رب رب محمد لأن لها التأكيد أن كان ربه * فاعلو بهذا الذكر في كل مشهد فأرسله الرحمن للخلق رحمة * على كل حال بين هاد ومهتدي قال الله تعالى وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين وأوحى إليه تعالى أن الله لم يبعثك سبابا ولا لعانا وإنما بعثك رحمة وقال تعالى في عبده خضر آتيناه رحمة من عندنا فقدم الرحمة على العلم وهي الرحمة التي في الجبلة ثم قال وعلمناه من لدنا علما فأعطاه هذا العلم من أجل قوله لدنا الرحمة المبطونة في المكروه وبهذه الرحمة قتل الغلام وخرق السفينة وبالرحمة الأولى أقام الجدار فلا يفرق بين هاتين الرحمتين إلا صاحب هذا الذكر فإن الرحمة هي التي تذكره ما هو يذكرها فتعطيه بذكره حقيقة ما فيها لأنها تطلب منه التعشق بها فإنه لا ظهور لها إلا به فهي حريصة على مثل هذا واعلم أن هذا الذكر تعريف إلهي بوجوب حكم الرحمة فيمن تذكره من عباده سبحانه وتعالى وجاء زكريا لا لخصوص الذكر وإنما ساقته عناية العبد فإنها ما ذكرته إلا لكونه عبدا له تعالى في جميع أحواله فأي شخص أقامه الله في هذا المقام فبرحمته به أقامه لتذكره رحمة ربه عنده تعالى فحال عبوديته هو عين رحمته الربانية التي ذكرته فأعلمت ربها أنها عند هذا العبد فأي شئ صدر من هذا الشخص فهو مقبول عند الله تعالى ومن هذا المقام يحصل له من الله ما يختص به مما لا يكون لغيره وهو الأمر الذي يمتاز به ويخصه فإنه لا بد لكل مقرب عند الله من أمر يختص به وقد أشار الشرع في التعريف بهذا فقال إنه ما من أحد من المؤمنين إلا ولا بد أن يناجي ربه وحده ليس بينه وبينه ترجمان فيضع كنفه عليه وهو عموم رحمته به فذلك محل تحصيل ما يختص به كانت القيامة لهذا العبد حيث كانت لأنه من عباد الله من نعجل له قيامته فيرى ما يؤول إليه أمره في الدار الآخرة وهي البشرى التي للمؤمن في الحياة الدنيا وقد رأيناها ذوقا وكان لنا فيها مواقف منها في ليلة واحدة مائة موقف بأخذ ورجوع لو قسمت تلك الليلة على قدر الوقوف ما وسعته وذلك بمدينة فاس سنة ثلاث وتسعين وخمسمائة أشاهد في كل موقف من اتساع الرحمة ما لا يمكنني النطق به وكان ذلك لاتساع ذكر الرحمة فكيف بذكر الرحمن إذا حصل للعبد ولا يحصل إلا للعبد الجاني وأما غير الجاني فهو عين رحمة الله في خلقه به يرحم الله الخلق كافرهم ومؤمنهم ومشركهم وموحدهم وبه يرزق عباده في الدنيا وبه يقع النصر وينزل المطر وتخصب الأرض وتكثر الرسل ويعظم الخير وهو المعصوم بالشهود في عين الجنايات فيظهر عليها بحكم القضاء والقدر الحاكم في الطرفين خلق وحق إن فهمت فلا يظهر فيك ولا منك إلا عينك ولا يحكم بعلمه فيك إلا ما أعطيته من العلم بك وهنا زلت الاقدام ونكصت على أعقابها الأفهام وتحكم على الأحلام سلطان الأوهام وللأوهام الحكم الغالب التام والدوام والله ما يوجد إلا عند ظن للعبد به فليظن به خيرا والظن من بعض وزعة الوهم وهو الذي يعطي العذاب المعجل والنعيم المعجل فظن خيرا تلقه وبعض الظن إثم فوالله لولا الظن ما عصى الله مخلوق أبدا ولا بد من العصيان وهو حكم الله في الفعل أو الترك فلا بد من الظن فمن رحمة الله بخلقه أن خلق الظن فيهم وجعله من بعض وزعة الوهم ولا يتمكن تحصيل العلم لأحد في أمر أصلا من حيث ما يحكم به على المشهود لا من حيث الشهود فإنك لا تقدر على زوال ما شهدت وهكذا جميع تعلق باقي القوي ولكن بقي الحكم على ما تعطيه هل يحصل به العلم أو الظن فعند صاحب هذا المقام لا يحصل إلا بالظن خاصة وأما غيره فيجعل ذلك علما لعدم ذوقه لهذه الحال ففرق بين ما تعطيه القوة وبين ما يحكم به على ذلك المعطى بها هل يحكم بالظن أو بالعلم فالأمر في نفسه شبهة في عين الدليل وإن لم يكن الأمر هكذا لم يتميز رب من عبد ولا حق من خلق إن فهمت فهذا بعض ما ينتجه لك هذا الذكر والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع عشر وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله ومن يتوكل على الله فهو حسبه) ومن يتوكل على ربه * فإن إله الورى حسبه * وإن كان في كل أحواله * يراه به دائما ربه
(١٥٣)