(الباب الخامس والثلاثون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله قوله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم) الذاكرون بكل حال ربهم * هم أهل كل فضيلة في العالم لا يشهدون سواه في أعيانهم * فهم الملوك على الوجود الدائم قاموا بحق الله لا بحقوقهم * في راقد أو قاعد أو قائم حازوا الكمال فلم يكن لسواهم * هذا المقام من الآلة الحاكم لهم التفكر في تعلق وصفه * بوجودهم ووجود كل العالم اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الأصل في الخلق حالة الرقاد حتى يكون الحق يقيمه إما لجلوس فينال نصيبا من الرحمة قال تعالى وكنتم أمواتا فأحياكم وإما لقيام فينال نصيبا من آية قوله تعالى أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت يقول الله تعالى الرحمن على العرش استوى وقال الله لا إله إلا هو الحي القيوم واختلف العلماء من أصحابنا في التخلق بالقيومية هل يصح أو لا فعندنا إنه يصح التخلق بها مثل جميع الأسماء وقال الله الرجال قوامون على النساء بما فضل الله ولقيت أبا عبد الله بن جنيد لما جاء إلى زيارتنا بإشبيلية فسألته في ذلك فقال يجوز التخلق بها يعني بالاسم القيوم ثم منع من ذلك وما أدري ما سبب منعه يقول الله تعالى الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض وكان هذا أعني أبا عبد الله بن جنيد القبر فيقي ضيعة من أعمال رندة ببلاد الأندلس فلم أزل به ألاطفه في أصحابه وأتباعه بقريته لكونه كان معتزلي المذهب حتى انكشف له الأمر فرجع عن مذهب الاعتزال القائلين بإنفاذ الوعيد وبخلق الأفعال وعرف محل ذلك فأنزله في موضعه ولم يتعد به رتبته وشكرني على ذلك ورجع لرجوعه جميع أصحابه وأتباعه وحينئذ فارقته فهذا ذكر الأحوال لا يقف عند ذكر خاص وإنما هو بحسب الحال ومن حاز هذه الأحوال الثلاثة فقد حاز الوجود فالآية التي تعم جميع الأحوال في الذكر قوله وهو معكم أينما كنتم هذا هو الذكر العام الذي يعم جميع الأحوال وبقي ذكر التخصيص فذكر القائم الرحمن على العرش وذكر القاعد أأمنتم من في السماء وذكر الجنب وفي الأرض إله وهذا كله فيه خلاف أعني في تأويله بين العلماء فاجمع همك على أمر واحد حتى يزول عنك التبديد فإن شئت راقبت الرحمن على العرش استوى وإن شئت راقبت أأمنتم من في السماء وكونه في السماء يقول هل من تائب هل من مستغفر هل من داع وإن شئت راقبت وهو الله في السماوات وفي الأرض يعلم سركم وجهركم وإن كان طعامك ثريدا فراقب وهو معكم أينما كنتم وكينونتنا تعم حسا ومعنى فبالحس حيث نحن من الأرض وحيث نحن فيه من الشغل بالجوارح ومعنى حيث كتابا لهم والمقاصد والخواطر فنشهده في الشغل فاعلا وفي القصد قاصدا أيضا فنعكس الأمر فنكون بحيث هو فإنا بحيث ما نحن عليه وليس إلا هو فكن في أحسن إلهيات تسعد * وكن في أكمل الحالات ترشد وكن بالحال لا بالقول فيه * تكن في حكم من يقضي فيقصد وهذا القدر من الإيماء نصيحة إلهية لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب السادس والثلاثون وخمسمائة في معرفة حال قطب كان هجيره ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) الحرث حرثان محمود ومذموم * وأنت حارثه والرزق مقسوم لا تحرثن لدنيا أنت تتركها * فإن حرثت لها فأنت مذموم لا تحرثن لما يفنى فلست له * واحرث لباقية فالأمر مفهوم
(١٧٩)