يسمع كلام الله وما سمع إلا صوت المؤدي وهو الرسول ونحن نعلم أن كلام العالم كله ليس إلا كلامه فإن العالم كله إنسان كبير كامل فحكمه حكم الإنسان وهوية الحق باطن الإنسان وقواه التي كان بها عبدا فهوية الحق قوى العالم التي كان بها إنسانا كبيرا عبدا مسبحا ربه تعالى ألا كل قول في الوجود كلامه * سواء علينا نثره ونظامه يعم به إسماع كل مكون * فمنه إليه بدؤه وختامه ولا سامع غير الذي كان قائلا * فمندرج في الجهر منه اكتتامه فتستره ألفاظنا بحروفها * فما فيه من ضوء فذاك ظلامه فما ظنكم بالنور منه إذا بدا * وقد ملأ الجو الفسيح غمامه لأنه القائل أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام ولما كان الأمر على ما ذكرناه في نفسه طلب منا أن نخلص العبادة له لأن بالعبادة نكون عبيدا وما نكون عبيدا إلا بهويته فنخلص العبودية وتخليصها أن نقول له أنت هو بأنانيتك وأنت هو في أنانيتي فما ثم إلا أنت فأنت المسمى ربا وعبدا إن لم يكن الأمر كذا فما أخلصنا له عبادة فما طلب الإخلاص فيها إلا من المجموع ولا يصح لها وجود ولا نسبة إلا بالمجموع لأنه بالانفراد غني عن العالمين وبالمجموع قال أقرضوا الله قرضا حسنا فقيده بالإحسان وفسر لنا ما هو الإحسان وما فسره إلا بشهود المحدود المنصوب في القبلة فمعرفة الله بلسان الشارع المترجم عن الله غير معرفته بالنظر العقلي فللمعرفة بالله طريقان وأعني العلم بالله منا وإن شئت قلت ثلاث طرق الطريق الواحد علمنا به تعالى من حيث نظرنا الفكري وعلمنا به من حيث خطابه الشرعي وعلمنا به من حيث المجموع وأنا نعلم أنا لا نعلمه كما يعلم نفسه فهذا حصر المعرفة الحادثة بالله تعالى فالحق عين العبد ليس سواه * والحق غير العبد لست تراه فانظر إليه به على مجموعه * لا تفردنه فتستبيح حماه هذا هو الحق الصريح فأخلصوا * لله منك عبادة تلقاه أي تلقاه تلك العبادة وإن شئت قلت لله منه عبادة تلقاه فإنك ما أخذتها إلا به فمنه تخلصها له وأنت محل الظهور فالصورة لك والعين هويته كما قررنا في غير موضع أن الصور المعبر عنها بالعالم إحكام أعيان الممكنات في وجود الحق ولهذا يقال إن العالم ما استفاد الوجود إلا من الحق وهو الحدوث وهذا القدر كاف في تخليص العبادة لله فيكون الحق العابد من وجه المعبود من وجه بنسبتين مختلفتين والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع وخمسمائة في معرفة حال قطب كان منزله قل الله ثم ذرهم إلى هنا كان هجير شيخنا أبي مدين رحمه الله وزاد بعضهم قوله تعالى في خوضهم يلعبون) إلى الله من كوننا المهرب * وإياه في رفعه أرغب ذر الكل في خوضه يلعب * فليس لنا غيره مذهب فإنك إن جئته تقرب * وفيه الورى كله يرغب ولما رأيت الذي يعجب * من الله فزت بما أطلب اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن هذا الباب قريب من الذي قبله فإن الله وصف نفسه بالتعجب والضحك والفرح والتبشيش وأشباه هذه الصفات الخلقية ووصف نفسه بليس كمثله شئ يعني فيها وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى فخلصنا له منه أمرنا الحق أن نقول الله ثم نذرهم أي نترك ضميرهم وهو ضميرهم ضمير الجمع لا هو الذي هو ضمير الإفراد فإنا للفرد نخلص العبادة من الجمع فإن الجمع أظهر القسمة بين الله وبين عبده في العبادة وهي لله لا للمكلف من حيث صورته وإن كانت له من حيث جمعيته بالله فهنا رسخت قدم الشيخ أبي مدين رضي الله عنه ولم يتعد وغيره يتمم الآية فقال في خوضهم يلعبون فوقف أبو مدين رضي الله عنه مع قوله وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا وكل ما في العالم آياته فإنها
(١٤١)