هذا القول وإن من شئ إلا يسبح بحمده وزاد في الثناء عليهم بجهل الناس تسبيحهم بقوله ولكن لا تفقهون تسبيحهم فكان هذا الجبر في مقابلة ذلك الانكسار الذي نالهم فتضاعف الطرب عندهم بذلك والفرح وما هو تضاعف على الحقيقة وإنما هو تعمير الموضع الذي ظهر الكسر فإنه أخبر أن كل شئ يسبح بحمده كما هو الأمر عليه في نفسه وسد خلل الانكسار بقوله لا تفقهون تسبيحهم بحرف الاستدراك وهو قوله ولكن طمعا في أن ينفردوا دون من سواهم بهذا التسبيح الخاص فإن الناس إذا عرفوه سبحوا الله أيضا به فالمسبحون أبدا في إنشاء صور فهم المصورون الذين ينفخون في صورهم أرواحا وإنشاء الصور لا يتناهى دنيا ولا آخرة فالإنشاء متصل دائم وإن تناهت الدنيا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة إسبال الستور وهي للاسم الغفار والغافر الغفور) إذا كان درعي من وجودي لباسه * فإن وجود الحق للرأس مغفر فحقق مقالي إنه فيه بين * فإن شئت أبدية وإن شئت استر يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الغفار وهي حضرة الغيرة والوقاية والحفظ والعصمة والصون فاعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الأمور كلها ستور بعضها على بعض وأعلاها ستر الاسم الظاهر الإلهي فإنه ستر على الاسم الباطن الإلهي وما ثم وراء الله مرمى فهو ستر عليه فإذا كنت مع الاسم الباطن الإلهي في حال شهود ورؤية كان هذا الاسم الإلهي الباطن الذي أنت به في الوقت متحدا وله مشاهد سترا على الاسم الإلهي الظاهر ولا تقل انتقل حكم الظهور للاسم الإلهي الباطن وصار البطون للاسم الظاهر بل الظاهر على ما هو عليه من الحكم يعطي الصور في العالم كله والباطن وإن كان مشهودا فهو على حاله باطن يعطي المعاني التي تسترها الصور الظاهرة فهذا أعلى الستور وأخفاها وأعلى مستور وأخفاه ودون هذا الستر كون القلب وسع الحق فهو ستر عليه فإن القلب محل الصور الإلهية التي أنشأتها الاعتقادات بنظرها وأدلتها فهي ستور عليها لذلك تبصر الشخص ولا تبصر ما اعتقده إلا أن يرفع لك الستر بستر آخر وهو العبارة عن معتقده في ربه فالعبارة وإن دلتك عليه فهي ستر بالنظر إلى عين ما تدل عليه فإن الذي تدل عليه ما ظهر لعينك وإنما حصل في قلبك مثل ما يعتقده صاحب تلك العبارة فأخبر عن مستور وهو عندك مستور أيضا فما كشفته ولكن نقلت مثاله إليك لا عينه فكل حرف جاء لمعنى فهو ستر عليه وإن جاء ليدل عليه فهذا الستر من أعظم الستور وإن كان دون الستر الأول الذي هو ستر الأسماء الإلهية وإن دلت على ذات المسمى فهي أعيان الستور عليها فإن الناظر يحار فيها لاختلاف أحكامها في هذه الذات المسماة فكل اسم له حكم فيها فهي وإن عزت وعظمت ولها الحكم الذاتي في الوجود بالإيجاد محكوم عليها بأحكام هذه الأسماء الحسنى بل أسماء الموجودات كلها أسماؤها لمن فهم عن الله ثم المرتبة الثالثة في النزول في علم الستور ستور أعيان الأسماء اللفظية الكائنة في ألسنة الناطقين والأسماء الرقمية في أقلام الكاتبين فإنها ستور على الأسماء الإلهية من حيث إن الحق متكلم لنفسه بأسمائه فتكون هذه الأسماء اللفظية والمرقومة التي عندنا أسماء تلك الأسماء وستورا عليها فإنا لا ندرك لتلك الأسماء كيفية ولو أدركنا كيفيتها شهودا لارتفعت الستور وهي لا ترتفع وما لنا في أنفسنا أمثلة لها جملة واحدة بل أعظم ما عندنا تخيلها في نفوسنا والتخيل أمر تحدثه في النفوس المحسوسات فتصورها بالقوة المصورة في خيال الشخص وليس بعد هذه الستور إلا ستور الخلق بعضه على بعض فالستور وإن كانت دلائل فهي دلائل إجمالية فالعالم بل الوجود كله ستر ومستور وساتر فنحن في غيبه مستورون وهو ستر علينا فهو مشهود لنا إذ الستر لابد أن يكون مشهودا لمستوره فإن الستر برزخ أبدا بين المستور والمستور عنه فهو مشهود لهما ولما جاءت الأحكام المشروعة إلى المكلفين وتعلقت بأفعالهم وفرق الحكم في أفعال المكلفين إلى طاعة ومعصية ولا طاعة ولا معصية وإلى مرغب فيه وإلى حكم غير مرغب فيه فالطاعة والمعصية حظر ووجوب فعلا أو تركا والمرغب فيه وغير المرغب فيه ندب وكراهة فعلا أو تركا ولا طاعة ولا معصية ولا مرغب فيه ولا غير مرغب فيه إباحة وهو حكم مرتبة النفس بما هي لذاتها وعينها وباقي الأحكام ليست لعينها وإنما تقبله بالداعي من خارج من لمة ملك ولمة شيطان فهي لمن حكمت عليه لمته
(٢١٤)