ولا ثناء ولا جزاء إلا عين ما قصده الحق في إيجاد العالم فكما قصد الله بالخلق أن يعبدوه في مثل ما نص عليه من ذلك في قوله وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون وقوله وإن من شئ إلا يسبح بحمده فنوى هذا العبد في إنشاء صور العبادات أن تعبد الله كما أراده الحق وهذا لا يبطل نية الإنعام من هذا العبد على هذه الصور بالإنشاء والإيجاد فإن كان مشهد هذا العبد إن الله هو المنشئ هذه الصور بالعبد لا هو فليس من هذه الحضرة الوهبية الكيانية بل ذلك من الوهب الإلهي على هذه الصورة المنشأة وليس غرضي فيما ذكرناه ما هو الأعلى والأعظم في المنزلة وإنما غرضي تمييز المقامات بعضها من بعض حتى لا يلتبس على القائمين بها فإنها تتداخل الأحكام فيها ولا يشعر لحد الفصل بين الأحوال والمقامات إلا الراسخون في العلم الإلهي فإذا جازاهم الله على ما إنشاؤه إنعاما من الله تعالى عليهم كان جزاء من أشهد أن إنشاء تلك الصور لله لا للعبد المكلف وأن الإنعام لله في ذلك عليها لا إلى المكلف فإنه أعظم جزاء إلهيا من الذي لم يشهده الله ذلك عند إنشائها فقد تميز الشخصان بما وقع لهما به الشهود عند العمل المشروع وهذا عمل لم ينسج على منواله انفردنا بالتنبيه عليه على غاية الكمال من العبد وحررناه تحريرا تاما فإن أحدا من العلماء بالله وبالأشياء ما يجهلون العطاء على جهة الإنعام ولكن مثل ما ذكرناه لا يتصوره ولا يخطر ببال كل عامل إلا من تحقق بهذه الحضرة الواهبة خاصة وهو المسمى عبد الوهاب والوهاب أوجده لا غيره من الأسماء مثل قوله في عيسى ع لمريم ليهب لك غلاما زكيا والصور التي أوجدها الاسم الوهاب قليلة جدا تعلم ذلك إذا علمت مراتب العلماء بالأسماء الإلهية بالعلم بالأسماء الإلهية فاعلم ذلك وهذا القدر من الإيماء إلى علم هذه الحضرة كاف إن شاء الله تعالى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وهو الهادي إلى طريق مستقيم (حضرة الأرزاق وهي للاسم الرزاق) الرزق رزقان محسوس ومعقول * يدري بذلك معقول ومنقول فمنه يقبل ما يعطيه من منح * وذلك الرزق في التحقيق مقبول جل الإله فما تحصى عوارفه * وفي معارفها هدى وتضليل مثل النكاح الذي يحوي على عجب * من التلذذ تلسين وتقبيل قال الله تعالى في قصة مريم كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب وقال ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب يدعى صاحب هذه الحضرة عبد الرزاق قال تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون هذا في حق من أطعم من أجله حين سمعه يقول سبحانه في الخبر الصحيح جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني فيقول العبد كيف تطعم وتشرب وأنت رب العالمين فيقول الحق إن عبدي فلانا جاع وفلانا ظمئ فلو أطمعته حين استطعمك أو سقيته حين استسقاك فذلك معنى قوله تعالى جعت فلم تطعمني وظمئت فلم تسقني فأنزل نفسه تعالى منزلة الجائع والعاطش الظمآن من عباده فربما أدى العامل على هذا الحديث الإلهي أن يجهد في تحصيل ما يطعم به مثل هذا حتى يكون ممن أطعم الله تعالى فقال له الله وما أريد أن يطعمون انتقال من مقام إلى مقام لأنه يعلم عباده العلم بالمقامات والأحوال والمنازل في دار التكليف حتى يتنقلون فيها ثم قال إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين والمتانة في المعاني كالكثافة في الأجسام فجاء بالاسم المناسب للرزق لأن الرزق المحسوس به تتغذى الأجسام وتعبل وكلما عبلت زادت أجزاؤها وكثفت وأين السمن من الهزال فما أحسن تعليم الله وتأديبه وتبيانه لمن عقل عن الله واعلم أن الرزق معنوي وحسي أي محسوس ومعقول وهو كل ما بقي به وجود عين المرزوق فهو غذاؤه ورزقه وقوله وفي السماء رزقكم وقال في الأرض وقدر فيها أقواتها وهي الأرزاق وتقديرها بوجهين الوجه الواحد كمياتها والثاني أوقاتها فالرزق الذي في الأرض ما تقوم به الأجسام والذي في السماء ما تقوم به الأرواح وكل ذلك رزق ليصح الافتقار من كل مخلوق وينفرد الحق بالغنى وأرفع المنازل في الأرزاق وشهودها رزق ما يظهر به عين الوجود الحق من صور أحكام
(٢١٨)