فإنك لا تدري بمن أنت قائل * وليس على من قال بالله من بأس فظهر القصور بالنيابة وهي الشركة كذلك القائل بالحق إلا آمر به قد يقع المأمور به وقد لا يقع والحضرة واحدة فإذا قال العبد المطاع بغير الحق فذلك يقع ولا بد لأنه مخلص للتوحيد وإنه لا يقول إذا قال أو يأمر إذا أمر من غير أن يقول بحق أو يأمر بحق إلا من حقيقته الذي هو عليها من كونه كان أصلا في كون العالم به عالما فإذا أثر بذاته في العالم العلم ويكون العالم به يتنوع في التعلق به لتنوعه لنفسه فإنه لا يعتاص عليه شئ فلو كان من أحواله وقوع ذلك المأمور به لوقع كما وقع النطق به فإنه لا ينطق من حيث ذاته إلا بما هو عليه وصورة هذه المسألة وتحقيقها كقول الحق على لسان العبد افعل فيقع أو لا يقع وذلك أن العبد من المحال أن ينطق من حيث نفسه نطق لسان ظاهر أو باطن وإنما ينطق بالله كل ناطق فإن الله هو المنطق كما قالت الجلود أنطقنا الله الذي أنطق كل شئ ناطق فيعطي الممكن بما هو عليه العلم لله والتكوين في غير الله لا يكون إلا لله لا لغيره والنطق من العبد والهم تكوين من الله فيه فلم ينطق ولم يهم إلا بالله فلا يتوحد به الممكن وإذا أمر الله بتكوين على لسان عبده فقد يقع وقد لا يقع فلا ينطق العبد إلا بالاشتراك فلهذا قد يقع وقد لا يقع ما يأمر به أو يريده وكونه لو نطق به العبد بغير اشتراك لوقع إنما هو كقوله لو شاء الله وما شاء الله فجاء بحرف لو وكذلك لو نطق العبد بنفسه وهو لا ينطق بنفسه وإنما ينطق بربه فالنطق للرب وإذا كان النطق للرب على لسان العبد فقد يكون الأثر والتكوين عن ذلك القول وقد لا يكون فتدبر هذا الكلام فإنه يتداخل ويتفلت من الذهن إن لم تتصور الأصل تصورا محكما لا يزال بين عينيك واختصاره إن العبد لا ينطق أبدا إلا بالله وإن الله إذا نطق على لسان العبد بالأمر فإنه لا يلزم وقوع ذلك المطلوب ولا بد وإذا انفرد الحق دون العبد بالتكوين فإنه يقع ولا بد والعبد لا ينفرد أبدا إلا بالتقدير وهو أن يقول فيه لو كما يقول في مشيئته الحق لو شاء وما شاء واعلم أن كل طالب إنما يطلب ما ليس عنده فإن الحاصل لا يبتغى والحق لا يطلب من الممكن إلا تكوينه وتكوينه ليس عنده فإن الممكن في حال عدمه ليس بمكون فالتكوين ليس بكائن في العين الثابتة الذي هو الشئ فإذا أراده الحق قال له كن فيكون فأراد الحق حصول التكوين في ذلك الشئ لأنه ليس الكون عند ذلك الشئ فما أراد الكون لنفسه وإنما أراده للشئ الذي ليس عنده فإنه تعالى موجود لنفسه فهو يريد الأشياء للأشياء لا لنفسه فإنها عنده فإنه ما من شئ إلا عنده خزائنه ولا تكون خزائن إلا بما يختزن فيها فالأشياء عنده مختزنة في حال ثبوتها فإذا أراد تكوينها لها أنزلها من تلك الخزائن وأمرها أن تكون فتكتسي حلة الوجود فيظهر عينها لعينها ولم تزل ظاهرة لله في علمه أو لعلمه بها فمن هنا يتحقق إن الله يطلب ما ليس عند الطالب وهو تكوين ما ليس بكائن في الحال فهذا تحقيق الواجد بالجيم قال الراجز أنشد والباغي بحب الوجدان والوجود المطلوب بالذكر عند الطائفة الذي يكون عن الوجد من هذا الباب وهو ما يجده أهل الوجد في نفوسهم في حال وجدهم من العلم بالله (الواحد الأحد حضرة التوحيد) وحد إلهك فالأفعال لله * ولا تكن فيه بالساهي ولا اللاهي واحذر من الشرك أن الشرك منقصة * يرديك سلطانها فإنها ما هي سواك والغير شئ لا وجود له * وأثبت فبيتك لا ملغى ولا واه لكن له لذة كبرى تعن لها * أعضاؤنا كلها كلذة الباه الله يعلم أني في الذي ذكرت * أبياتنا صادق والله والله يدعى صاحبها عبد الواحد بالحاء المهملة إذا أراد الاسم وإذا أراد الصفة يقال له عبد الأحد وأما الوحدانية فهي قيام الأحدية به أعني بالواحد فما هي الأحدية ولا الواحد كالجسماني ما هو الجسم وإنما هو ما لا تظهر له عين إلا بقيامه بالجسم أو الجوهر وهو ما يقوم به من الصفات التي محلها الأجسام وكذلك الروح والروحاني فالوحدانية نسبة محققة بين الأحدية والواحد وكون الشئ يسمى واحد قد يكون لعين ذاته فلا يكون مركبا وهو الشئ فإن تركب فليس بشئ
(٢٩٣)