المؤمنين وذلك أني كنت يوم الجمعة بعد صلاة الجمعة بمكة قد دخلت الطواف فرأيت رجلا حسن الهيئة له هيبة ووقار وهو يطوف بالبيت أمامي فصرفت نظري إليه عسى أعرفه فما عرفته في المجاورين ولم أر عليه علامة قادم من سفر لما كان عليه من الغضاضة والنضارة فرأيته يمر بين الرجلين المتلاصقين في الطواف ويعبر بينهما ولا يفصل بينهما ولا يشعران به فجعلت أتتبع بأقدامي مواضع وطئت أقدامه ما يرفع قدما إلا وضعت قدمي في موضع قدمه وذهني إليه وبصري معه لئلا يفوتني فكنت أمر بالرجلين المتلاصقين اللذين يمر هو بينهما فأجوزهما في أثره كما يجوزهما ولا أفصل بينهما فتعجبت من ذلك فلما أكمل أسبوعه وأراد الخروج مسكته وسلمت عليه فرد علي السلام وتبسم لي وأنا لا أصرف نظري عنه مخافة أن يفوتني فإني ما شككت فيه أنه روح تجسد وعلمت أن البصر يقيده فقلت له إني أعلم أنك روح متجسد فقال لي صدقت فقلت له فمن أنت يرحمك الله فقال أنا السبتي بن هارون الرشيد فقلت له أريد أن أسألك عن حال كنت عليه في أيام حياتك في الدنيا قال قل قلت بلغني أنك ما سميت السبتي إلا لكونك كنت تحترف كل سبت بقدر ما تأكله في بقية الأسبوع فقال الذي بلغك صحيح كذلك كان الأمر فقلت له فلم خصصت يوم السبت دون غيره من الأيام أيام الأسبوع فقال نعم ما سألت ثم قال لي بلغني أن الله ابتدأ خلق العالم يوم الأحد وفرع منه يوم الجمعة فلما كان يوم السبت استلقى ووضع إحدى رجليه على الأخرى وقال أنا الملك هذا بلغني في الأخبار وأنا في الحياة الدنيا فقلت والله لأعملن على هذا فتفرغت لعبادة الله من يوم الأحد إلى آخر الستة الأيام لا أشتغل بشئ إلا بعبادته تعالى وأقول إنه تعالى كما اعتنى بنا في هذه الأيام الستة فإني أتفرع إلى عبادته فيها ولا أمزجها بشغل نفسي فإذا كان يوم السبت أتفرع لنفسي وأتحصل لها ما يقوتها في باقي الأسبوع كما روينا من إلقاء إحدى رجليه على الأخرى وقوله أنا الملك الحديث وفتح الله لي في ذلك فقلت له من كان قطب الزمان في وقتك فقال أنا ولا فخر قلت له كذلك وقع لي التعريف قال صدقك من عرفك ثم قال لي عن أمرك يريد المفارقة قلت له ذلك إليك فسلم على سلام محب وانصرف وكان بعض أصحابي والجماعة في انتظاري لكونهم كانوا يشتغلون علي بإحياء علوم الدين للغزالي رحمه الله فأما فرغت من ركعتي الطواف وجئت إليهم قال لي بعضهم وهو نبيل بن خزر بن خزرون السبتي رأيناك تكلم رجلا غريبا حسن الوجه وسيما لا نعرفه في المجاورين من كان ومتى جاء فسكت ولم أخبرهم بشئ من شأنه إلا بعض إخواني فإني أخبرتهم بقصته فتعجبوا لذلك واعلم أيدنا الله وإياك أن الفراغ الإلهي إنما كان من الأجناس في الستة الأيام وأما أشخاص الأنواع فلا فبقي الفراغ بالأزمان لا عن الأشخاص وهو قوله تعالى سنفرغ لكم من الشؤون الذي قال فيها كل يوم هو في شأن في هذه الدنيا فيفرع لنا منا وتنتقل الشؤون إلى البرزخ والدار الآخرة فلا يزال الأمر من فراع إلى فراع إلى أن يصل أوان عموم الرحمة التي وسعت كل شئ فلا يقع بعد ذلك فراع يحده حال ولا يميزه بل وجود مستمر ووجود ثابت مستقر إلى غير نهاية في الدارين دار الجنة ودار النار هكذا هو الأمر في نفسه ففراغه من العالم هذا القدر الذي ذكرته آنفا وفراغ العالم منه من حيث الدلالة عليه لا غير وأما الوهب من العلم به فلا يزال دائما لكن من غير طلب في الآخرة مقالي لكن التجلي دائم والقبول دائم فالعلم متجدد الظهور لي على الدوام والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع وأربعمائة في معرفة منازلة أسمائي حجاب عليك فإن رفعتها وصلت إلى) حجابك أسماء لنا ونعوت * وأعياننا أكواننا فنقول لنا الدولة الغراء ليست لغيرنا * ولا غير إلا ربنا فنصول على من فحقق ما تقول وإنما * يقول بهذا ظالم وجهول فكل مقال فيه غير مقيد * فكل مقالاتي إليه تؤل فلا ترفع الأستار بيني وبينه * فذاك وجود ما إليه سبيل اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أن الإنسان وإن كان في نفس الأمر عبدا ويجد في نفسه ما هو عليه من العجز والضعف والافتقار إلى أدنى الأشياء والتألم من قرصة البرغوث ويعرف هذا كله من نفسه ذوقا ومع هذا فإنه يظهر بالرياسة
(١٢)