ولكن ما أثنى الله بشئ على أحد من المخلوقين إلا وفيه تنبيه لمن لم يحصل له ذلك الأمر أن يتعرض لتحصيله جهد الاستطاعة فإن الباب مفتوح والجود ما فيه بخل وما بقي العجز إلا من جهة الطالب ولهذا يقول من يدعني فاستجيب له ومن نكرة فما وقع العجز إلا منا وهنا الحيرة لأنا ما ندعوه لا بتوفيقه وتوفيقه إيانا لذلك من عطائه وجوده واستعداد كنا عليه به قبلناه فتأهلنا لدعائه وإجابته إيانا فيما دعوناه به على ما يرى الإجابة فيه فهو أعلم بالمصالح منا فإنه تعالى لا ينظر لجهل الجاهل فيعامله بجهله وإنما الشخص يدعو والحق يجيب فإنه اقتضت المصلحة البطء أبطأ عنه الجواب فإن المؤمن لا يتهم جانب الحق وإن اقتضت المصلحة السرعة أسرع في الجواب وإن اقتضت المصلحة الإجابة فيما عينه في دعائه أعطاه ذلك سواء أسرع به أو أبطأ وإن اقتضت المصلحة أن يعدل مما عينه الداعي إلى أمر آخر أعطاه أمر آخر لا ما عينه فما جاز الله لمؤمن في شئ إلا كان له فيه خير فإياك إن تتهم جانب الحق فتكون من الجاهلين وأنت من الجاهلين ولو أعطيت علم اللوح المحفوظ والقلم الأعلى والملائكة العلى وأما العالون من عباد الله الذين قال الله في توبيخه لإبليس حين أبي عن السجود لآدم استكبرت أم كنت من العالمين فهم الأرواح المهيمة في جلال الله فأعلاهم الحق أن يكون شئ من الخلق لهم مشهودا ولا نفوسهم وهم عبيد اختصهم لذاته فالتجلي لهم دائم وهم فيه هائمون لا يعلمون ما هم فيه فعلوهم بين الاسم العلي وبيننا فهم لا يشهدون علو الحق لأنه لا يشهد علو الحق إلا من شهد نفسه وهم في أنفسهم غائبون فهم عن علو الحق ومكانته أشد غيبة والعلو نسبة فالأعلى من سبح اسم ربك الأعلى إنما هو نعت أحدية من ادعى العلو أو أراد العلو فإذا زال كان عليا لأعلى والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (حضرة الكبرياء الإلهي) كبير القدر ليس له نظير * كبير في النفوس وفي العقول له في أنفس عندي قبول * وليس لذاته بي من قبول يدعى صاحبها عبد الكبير وهو عين العبد لأن الكبرياء رداء الحق وليس سواك فإن الحق تردى بك إذ كنت صورته فإن الرداء بصورة المرتدي ولهذا ما يتجلى لك إلا بك وقال من عرف نفسه عرف ربه فمن عرف الرداء عرف المرتدي ما يتوقف معرفة الرداء على معرفة المرتدي وفي هذا غلط عظيم عند العلماء وما تفطنوا لمراد الحق في التعريف بنفسه فما وصف نفسه إلا بما نعرفه ونتحققه على حد ما نعرفه ونتحققه فإنه بلساني خاطبني لنعقل عنه فلو أحالنا عليه ابتداء لما عرفناه فلما أنزل كبرياءه منزلة الرداء المعروف عندنا علمنا ما الكبرياء ثم زاد رسول الله ص في تجليه يوم القيامة في الزور الأعظم على كثيب المشاهدة في جنة عدن وذلك اليوم الكبير إنه تعالى يتجلى لعباده ورداء الكبرياء على وجهه ووجه الشئ ذاته فحال الحجاب بينك وبينه فلم تصل إليه الرؤية فصدق لن تراني وصدقت المعتزلة فما وصلت الأعين إلا إلى الرداء وهو الكبرياء وما تجلى لك إلا بنا فما وصلت الرؤية إلا إلينا ولا تعلقت إلا بنا فنحن عين الكبرياء على ذاته قال وسعني قلب عبدي فإذا قلبت الإنسان الكامل رأيت الحق والإنسان لا ينقلب فلا يرجع الرداء مرتديا لمن هو له رداء فهذا معنى الكبير فإنه كبير لذاته والكبرياء نحن فمن نازعه منا فينا قصمه الحق لأنه جهل فإنه له ما رأيناه قط ولا نراه من حيث هو ونحن لنا فما نرى قط سوانا فلا يزال الكبرياء على وجهه في الدنيا والآخرة لأنا ما نزال وهذا عين افتقارنا واحتقارنا ووقارنا لله يوم كبير لا يمتري فيه مؤمن * له التحكم فينا بالاسم منه المهيمن قال الله تعالى لمحمد ص ولكل رسول أن يقول لنا إني أخاف عليكم عذاب يوم كبير ولا خوف علينا إلا منا فإن أعمالنا ترد علينا فنحن اليوم الكبير إلى الله مرجعكم جميعا يعني مرجع اليوم ونعته بالكبرياء والشئ لا ينازع في نفسه ولا فيما هو له فمن نازع الحق في كبريائه فما نازع إلا نفسه فعذابه عين جهله به ومن هنا تعرف أن الإحاطة لنا وليس سوى ما حزناه من صورته فإن الرداء يحيط بالمرتدي
(٢٤٥)