وهو ما أعطته قدرتك فأضاف الفعل إليك وليس إلا ما قررناه من أنه ما علم منك إلا ما أنت عليه فإذا وهى ركنك بالنظر إلى غرضك فلم نفسك فإن الحق المحكوم به تابع أبد الحال المحكوم به عليه فالمحكوم عليه هو الذي جنى على نفسه لا الحاكم بالمحكوم به وإنما تعددت الأركان من أجل الحجب التي أرسلها الحق بينك وبين الأصل وكون الأمر جعله مثل البيت على أربعة أركان ركن العلم وركن القول وهو قوله عز وجل هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق وركن المشيئة وركن الأصل وهو أنت وهو الركن الأول من البيت والثلاثة الأركان توابع فمن الناس من استند في حاله إلى علم الله فيه ومنهم من استند إلى مشيئته ومنهم من استند إلى ما كتب الله عليه وصاحب الذوق من يرى جميع ما ذكرناه ووقف مع نفسه وقال أنا الركن الذي مرجع الكل إليه فهو الأول الذي انبنى من هذا البيت ولكن صاحبه عزيز فإن الصحيح عزيز فالكل معلول عندهم وعندي إن العالم هو عين العلة والمعلول ما أقول إن الحق علة له كما يقوله بعض النظار فإن ذلك غاية الجهل بالأمر فإن القائل بذلك ما عرف الوجود ولا من هو الموجود فأنت يا هذا معلول بعلتك والله خالقك فافهم واعلم أنه من أوجدك له لا لك ففي حق نفسه عمل لا في حقك فما أنت المقصود لعينك قال عز وجل وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فذكر ما ظهر وهو مسمى الإنس وما استتر وهو مسمى الجن فإذا نظرت إلى هذا الخبر وسعدت أنت بهذه الوجوه فإنما سعدت بحكم التبعية فاعلم ما يقول له إذا قرر عليك النعم فإنما يقررها عليك لسان الإمكان فإن شئت فاسمع واسكت وإن شئت فتكلم كلاما يسمع منك وليس إلا أن تقول له ما قاله فبكلامه تحتج إن أردت أن تكون ذا حجة وإن تأدبت وسكت فإنه يعلم منك على ما سكت وانطويت عليه فما كل حق ينبغي أن يقال ولا يذاع ولا سيما في موطن الأشهاد والخصم قوي والحاكم الله ولا يحكم إلا بالحق الذي سأل منه رسول الله ص أن يحكم به في قوله قل رب احكم بالحق وربنا الرحمن المستعان على ما تصفون ولولا ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول رب احكم بالحق فإنه تعالى ما يحكم إلا بالحق فإنه ما يتعدى علمه فيه الذي أخذه منه أزلا وظهر حكمه أبدا والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الأحد والأربعون وأربعمائة في معرفة منازلة عيون أفئدة العارفين ناظرة إلى ما عندي لا إلي) لو كان عندك ما عندي لما نظرت * عيون أفئدة للعارفين سواك فإن نظرت بعين الجمع تحظ بنا * وإن نظرت بأخرى كان ذاك هواك ما في الوجود وجود غير خالقه * وما هنا عين شئ لا يكون هناك بل كله عينه جمعا وتفرقة * إن لم يكن هكذا كوني فليس بذاك قال الله عز وجل في العارفين وإذا سمعوا ما نزل إلى الرسول أترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ولم يقل علموا يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ولم يقولوا علمنا وما لنا لا نؤمن بالله ولم يقل نعلم وما جاءنا من الحق ونطمع وما قالوا نتحقق أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين وهي الدرجة الرابعة فأثابهم الله بما قالوا ولم يقل بما علموا جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جراء المحسنين والجنات عند الله فلهذا قال ناظرة إلى ما عندي فإنه قال في حق طائفة آخرين وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة على إن تكون إلى حرف أداة غاية لا تكون اسم جمع النعمة فإن ذلك في اللفظ يحتمل ولهذا ما هي هذه الآية نص في الرؤية يوم القيامة وإذا كان الأمر هكذا فاعلم إن الله قد فرق بين العارفين والعلماء بما وصفهم به وميز بعضهم عن بعض فالعلم صفته والمعرفة ليست صفته فالعالم إلهي والعارف رباني من حيث الاصطلاح وإن كان العلم والمعرفة والفقه كله بمعنى واحد لكن يعقل بينهما تميز في الدلالة كما تميزوا في اللفظ فيقال في الحق إنه عالم ولا يقال فيه عارف ولا فقيه وتقال هذه الثلاثة الألقاب في الإنسان وأكمل الثناء تعالى بالعلم على من اختصه من عباده أكثر مما أثنى به على العارفين فعلمنا إن اختصاصه بمن شاركه في الصفة أعظم عنده لأنه يرى نفسه فيه فالعالم مرآة الحق ولا يكون العارف ولا الفقيه مرآة له تعالى وكل عالم عندنا لم تظهر عليه ثمرة علمه ولا حكم عليه علمه فليس بعالم وإنما هو ناقل والعلم يستصحب الرحمة بلا شك فإذا رأيت من يدعي العلم ولا يقول بشمول الرحمة فما هو
(٥٤)