الذي أحدثه فهو مثل قوله تعالى ولنبلونكم حتى نعلم فلولا القيومية السارية في النفس ما ظهرت الحروف ولولا القيومية الظاهرة في الحروف بحكمها ما ظهرت الكلمات بتأليفها وإنما جئنا بهذا ضرب مثال محقق واقع لوجود الكائنات عن نفس الحق فاعلم ذلك وقد تقدم ذكره في باب النفس من هذا الكتاب واعلم أنه في ليلة تقييدي هذا الوجه أريت في النوم ورقة زنجارية اللون جاءت إلي من الحق مكتوبة ظهرا وبطنا بخط خفي لا يظهر لكل أحد فقرأته في النوم لضوء القمر فكان فيه نظما ونثرا واستيقظت قبل أن أتم قراءته فما رأيت أعجب منه ولا أغمض من معاينة لا يكاد يفهم فكان مما عقلت من نظمه ما أذكره وكان في حق غيري كذا قرر لي في النوم وذكر لي الشخص الذي كان في حقه فعرفته وكأني في أرض الحجاز في برية ينبوع بين مكة والمدينة إذا دل أمر الله في كل حالة * على العزة العظمى فما ينفع الجحد وجاء كتاب الله يخبر انه * من الله تحقيقا فذلكم القصد ولله عين الأمر من قبل إذ أتى * إلي بما يجريه فيه ومن بعد فسبحان من حيي الفؤاد بذكره * فكان له الشكر المنزه والحمد إذا كان عبدي هكذا كنت عينه * وإن لم يكن فالعبد عبدك يا عبد وأما النثر فأنسيته لما استيقظت إلا إني أعرف أنه كان توقيع من الحق لي بأمور انتفع بها هذا جل الأمر وهي في خاطري مصورة من أسباب الدنيا يتسع فيها رزق الله ويشكر الله تعالى من كان ذلك على يده ويثبته والله على ما نقول وكيل (حضرة الوجدان وهي حضرة كن) إن الوجود بجود الحق مرتبط * وكلنا فيه مسرور ومغتبط إن الذي توجد الأعيان همته * هو الوجود الذي بالجود يرتبط لو أن ما عنده عندي لقلت به * لكنني مفلس لذاك نشترط كشرط موسى عليه حين أرسله * إلى جبابرة من ربهم قنطوا فجاء من عندهم صفر اليدين وما * خابت مقاصده لكنهم قسطوا يدعى صاحبها عبد الواجد بالجيم وهو الذي لا يعتاص عليه شئ وهو الغني بالأشياء فإذا طلب أمرا ما ولم يكن ذلك المطلوب أي لم يحصل فيكون تعويقه من قبله فإنه لا يعتاص عليه شئ مثاله طلب من أبي جهل أن يؤمن بأحدية الله وبرسوله وبما جاء من عنده فلم يجبه إلى ما طلبه منه فالظاهر من إبايته أنه ليس بواجد لما طلب منه والمنع إنما كان منه إذ لم يعطه التوفيق ولو شاء لهديكم أجمعين فهو الواجد بكن إذا تعلقت الإرادة بكونه فما يعتاص عليه شئ يقول له كن فلو قال للإيمان كن في محل أبي جهل وغيره ممن لم يؤمن وخاطبه بالإيمان لكان الايمان في محل المخاطب أبي جهل وغيره فكونه واجدا إنما هو بكن وما عدا كن فما هو من حضرة الوجدان وكذلك عرضه عز وجل الأمانة على السماوات والأرض والجبال أن يحملنها فأبين أن يحملنها من أجل الذم الذي كان من الله لمن حملها وهو أن الله وصف حاملها بالظلم والجهل ببنية المبالغة فإن حاملها ظلوم لنفسه جهول بقدر الأمانة وإذا تحقق العبد بهذه الحضرة لم يعتص عليه شئ من الممكنات وتحققه أن يكون الحق لسانه ليس غير ذلك فلا يريد شيئا إلا كان فهو واجد لكل شئ وكل من هذه حالته ووقع له توقف فيما يريد تكوينه ووجوده فقد اعتاص عليه فحاله فيه الحال الذي قال الله فيمن سبق في علمه أنه لا يؤمن بالله أن يؤمن بالله فهو وإن نطق بالله فهو مثل نطق الحق بالعبد كقوله إن الله قال على لسان عبده سمع الله لمن حمده وقوله إن الله عند لسان كل قائل في بعض محتملاته فإذا قال الله على لسان من شاء من عباده وأمر فقد يقع المأمور به من المأمور وقد لا يقع وإذا قال للمأمور به كن فإنه يقع ولا بد إذا قلت قال الله فالقول صادق * وإن قلت قال الناس فالقول للناس فلا تدعى في القول إنك قائل * وكن حاضرا بالله في صورة الناس
(٢٩٢)