عملوا وهذا عين الجزاء وهو في الدنيا هو فيوم الدنيا يوم الجزاء ويوم الآخرة هو يوم الجزاء غير أنه في الآخرة أشد وأعظم لأنه لا ينتج أجرا لمن أصيب وقد ينتج في الدنيا أجرا لمن أصيب وقد لا ينتج فهذا هو الفرقان بين يوم الدنيا ويوم الآخرة وقد تعقب المصيبة لمن قامت به توبة مقبولة وقد يكون في الدنيا حكم يوم الآخرة في عدم قبول التوبة وهو قوله في طلوع الشمس من مغربها إنه لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا فلا ينفع عمل العامل مع كونه في الدنيا فأشبه الآخرة وكذلك أيضا المصاب في الدنيا تكفر عنه مصيبته من الخطايا ما يعلم الله ومصيبة الآخرة لا تكفر وقد يكون هذا الحكم في يوم الدنيا فأشبه الآخرة أيضا وهو قوله في حق المحاربين الذين يحاربون الله ورسوله من قتلهم وصلبهم وقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف ونفيهم من مواطنهم وذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب عظيم على تلك المحاربة والفساد جزاء لهم فما كفر عنهم ما أصابهم في الدنيا من البلاء فانظر ما أحكم القرآن وما فيه من العلوم لمن رزق الفهم فيه فكل ما هم فيه العلماء بالله ما هو إلا فهمهم في القرآن خاصة فإنه الوحي المعصوم المقطوع بصدقه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه فتصدقه الكتب المنزلة قبله ولا من خلفه ولا ينزل بعده ما يكذبه ويبطله فهو حق ثابت وكل تنزل سواه في هذه الأمة وقبلها في الأمم فيمكن أن يأتيه الباطل من بين يديه فيعثر صاحبه على آية أو خبر صحيح يبطل له ما كان يعتمد عليه من تنزيله وهو قول الجنيد علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة أن يشهدا له بذلك بأنه حق من عند الله ويأتيه من خلفه أي لا يعلم في الوقت بطلانه لكن قد يعلمه فيما بعد فهو نظير قوله في القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد فأي مجد أعظم من هذا المجد الذي اعترف به العبد لربه بأن شهد له بأنه الملك في يوم الدين والخلق ملكه الذي تظهر فيه أحكامه ثم إنه قد علمنا بالخبر الصدق أن أعمال العباد ترجع عليهم فلا بد أن يرجع عليهم هذا المجد الذي مجدوا الحق به فيكون لهم في الآخرة المجد الطريف والتليد فرجوع أعمالهم عليهم اقتضته حقيقة قوله وإليه يرجع الأمر كله بعد ما كانت الدعاوي الكيانية قد أخذته وأضافته إلى الخلق فمن رجوع الأمر كله إليه رجعت أعمال العباد عليهم فالعبد بحسب ما عمل فهو المقدس إن كان عمله تقديس الحق وهو المنزه بتنزيهه والمعظم بتعظيمه ولما لحظ من لحظ من أهل الكشف هذه الرجعة عليه قال سبحاني فأعاد التنزيه عليه لفظا كما عاد عليه حكما وكما قال الآخر في مثل هذا أنا الله فإنه ما عبد إلا ما اعتقده وما اعتقد إلا ما أوجده في نفسه فما عبد إلا مجعولا مثله فقال عند ما رأى هذه الحقيقة من الاشتراك في الخلق قال أنا لله فأعذره الحق ولم يؤاخذه فإنه ما قال إلا علي كما قال من أخذه الله تعالى نكال الآخرة والأولى وأما من قالها بحق أي من قال ذلك والحق لسانه وسمعه وبصره فذلك دون صاحب هذا المقام فمقام الذي قال أنا الله من حيث اعتقاده أتم ممن قالها بحق فإنه ما قالها إلا بعد استشرافه على ذلك فعلم من عبد والفضل في العلم يكون والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الحياء حضرة الحياء) إن الحياء لباب الله مفتاح * وإن سرى لذاك الفتح فتاح فإن فتحت ترى نورا يضئ به * وجه جميل علاه النور وضاح كأنه في ظلام الليل إن نظرت * عيناك صورته صبح ومصباح يدعى صاحبها عبد الحي أو عبد المستحيي ورد في الخبر أن الله حيي لكن للحياء موطن خاص فإن الله قد قال في الموطن الذي لا حكم للحياء فيه إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلا ما بعوضة أي لا يترك ضرب المثل بالأدنى والأحقر عند الجاهل فإنه ما هو حقير عند الله وكيف يكون حقيرا من هو عين الدلالة على الله فيعظم الدليل بعظمة مدلوله ثم إن رسول الله ص نطق من هذه الحضرة بقوله الحياء من الايمان والايمان نصف صبر ونصف شكر والله هو الصبور الشكور ومن هذه الحضرة من اسمه المؤمن شكر عباده على ما أنعموا به على الأسماء الإلهية بقبولهم لآثارها فيهم وصبر على أذى من جهله من عباده فنسب إليه ما لا يليق به ونسبوا إليه عدوا بغير
(٢٦٢)