الله الإنسان مقلوب النشأة فاخرته في باطنه ودنياه في ظاهره وظاهره مقيد بالصورة فقيده الله بالشرع فكما لا يتبدل لا يتبدل وهو في باطنه يتنوع ويتقلب بخواطره في أي صورة خطر له كما يكون عليه في نشأة الآخرة فباطنه في الدنيا صورة ظاهرة في النشأة الآخرة وظاهرة في الدنيا باطنه في النشأة الآخرة لهذا جاء كما بدأكم تعودون فالآخرة مقلوب نشأة الدنيا والدنيا مقلوب نشأة الآخرة والإنسان هو الإنسان عينه فاجهد أن يكون خواطرك هنا محمودة شرعا فتجمل صورتك في الآخرة وبالعكس ومن ذلك مراتب الحق عند الخلق قال إذا أراد العبد أن يعلم مرتبته عند ربه ومنزلته وقدره فلينظر في نفسه قدر ربه عنده ورتبته ومنزلته وما يعامله به في حياته الدنيا من طاعة ومعصية وموافقة ومخالفة وطلب علم وترك فعلى ذلك الحد منزلته عند ربه فميزانك بيدك فإن شئت أرجح الميزان وإن شئت أخسره لا تلم إلا نفسك وقال إذا كان عملك عن أثر إلهي مشروع خرجت عن هوى نفسك ولو وافقت الهوى وتكون ممن نهى النفس عن الهوى وهنا نكتة فإن الجنة هي المأوى والجنة ستر والإيواء ستر فإن النهي عن الهوى لا يكون إلا من أديب أو من مستور عنه الحق في الأشياء فإنه لو كان صاحب كشف لكان هواه ما ارتضاه الله وأراد أمضاه فلا ينهى النفس عن الهوى من هذه صفته ومن ذلك اتساع فضاء الفضاء قال كل ما هو العالم فيه فضاء فلا شئ أوسع من فضاء الفضاء وبقي عين ما ظهر فيه الفضاء هل هو من حكم القضاء أم لا فمن جهل الأعيان الثابتة لم يجعل العين التي ظهرت فيها أحكام الفضاء من أحكام الفضاء ومن علم إن أعيان الموجودات لها ثبوت في حال عدمها وتميز بجميع ما هي عليه جعل حكم الفضاء على تلك الأعيان فجرى عليها بالإيجاد فأوجدها فكما جرى حكم الفضاء على كل ما في الوجود من الأعيان بما هي عليه من التصريف كذلك جرى حكم الفضاء على الأعيان الثابتة بما ظهر من وجودها ومن ذلك من تعبد الخلق فقد برئ منه الحق قال ما أحسن الخبر النبوي في إشارته بقوله ص العبد من لا عبد له ففهم منه المحجوب أنه من لا عبد له قام بأمور نفسه فهو عبد نفسه وما مقصود الحق في ذلك إلا أن العبد من ليس له وجه إلى ربوبية وسيادة أصلا فإذا ملك العبد أمرا ما فله سيادة على ما ملك فالعبد على الحقيقة من لا ملك له لأن المملوك ذليل تحت تصرف المالك ولا يقدر على دفع تصرفه فيه ولا يكون هذا إلا بملك الرقبة فإن ملك التصريف دون الرقبة فهو مالك للتصريف لا مالك الرقبة كالذي يستأجر أجيرا على فعل يفعله فعبده التصرف لا المتصرف وهو المسمى أجيرا فالأجير خادم أجرته فهو خادم نفسه وذلك للعبد فإنه لا عبد له فما له سيادة على أحد والعارف عبد الله وإن ملكه التصريف ولا بد من ذلك فما له سيادة فإن الرقبى لله والعمري للعبد ومن ذلك الرؤية حجاب وهي الباب قال ليس للمعرفة باب إلا الرؤية فإنه لا شئ أوضح منها إلا أنها حجاب على قدر المرئي وذلك لسبب وهو الشبه فإن الرأي أي راء كان ما يرى في المرئي إلا صورته حقا كان أو خلقا فلا يعرف قدر المرئي إلا أن عرف ما رأى وأن الذي سماه مرئيا إنما هو مرئي فيه ما هو مرئي والمرئي صورته فما طرأ عليه غريب يستعد للعمل معه بقدره إلا إن ثم نكتة وهي أن المحل الذي رأى صورته فيه كست تلك الصورة المرئية حالا لم يكن لها إذ لم يكن لها المجلى فلا بد أن يعامل ما رأى بما ينبغي لهذا الحكم فتحقق ومن ذلك لا يرى السكينة إلا من حقق تمكينه قال كل مدرك بقوة من القوي الظاهرة والباطنة التي في الإنسان فإنه يتخيل وإذا تخيله سكن إليه فلا يقع السكون إلا لمتخيل من متخيل وجميع العقائد كلها تحت هذا الحكم في الخبر الصحيح اعبد الله كأنك تراه فلهذا كانت عقائد والعقائد محلها الخيال وإن قام الدليل على أن الذي اعتقده ليس بداخل ولا خارج ولا يشبه شيئا من المحدثات فإنه لا يسلم من الخيال أن يضبط أمرا لأن نشأة الإنسان تعطي ذلك والحكم تابع لذات الحاكم بقبول ما يعطيه المحكوم عليه وليس المحكوم عليه هنا إلا المتخيل وهو المعتقد فانظر ما أخفى وأقوى سريان الخيال في الإنسان فما سلم إنسان من خيال ولا وهم وكيف يسلم ولا خروج للعقل عن هذه الإنسانية فلو انعدمت انعدم هذا الحكم فهو يوجد ما وجدت ومن ذلك قوة اللطيف وضعف الكثيف قال لا شئ ألطف من الخواطر والأوهام وهي الحاكمة على الكثائف لضعف الكثيف وقوة سلطان اللطيف الدليل لنا صفرة الوجل وحمرة الخجل والتغير بالخوف والمخوف
(٤٢٠)