الفتوحات المكية - ابن العربي - ج ٤ - الصفحة ٣٣٤
من المربوب وبه اتصل المحب بالمحبوب فبالفصل علم المحب أنه هالك والمحبوب مالك لا يرد الفصل إلا على وصل فهو عنوانه وبه قام ميزانه الفصل خلاء محدود والمفصول ملأ مشهود وهو يحل محل الوصل فالوصل خلا مثله ومثل المماثل شكله فالفصل والوصل ضرتان هما من الله نعمتان ومن ذلك سر تدبير الإكسير من الباب 32 الإكسير سلطان يقلب الأعيان حكمه حكم الزمان لكنه أسرع في الحدثان ومع سلطانه فهو في حكم القابل وإلى ما يقبله بالفعل مائل فالعجز والقصور سار في جميع الأمور وعدم الاستقلال يقطع بالآمال لولا المرض ما كان التدبير ولا نزل الأمير عن السرير ولا لحق الذهب بالقزدير ولا قام عطارد مقام الإكسير بالإكسير ولا ذهب النحاس بالذهب ولو لم ترجع المعادن إلى أصل واحد ما سميت بالناقص والزائد وأصل اعتلال الأبدان بالزيادة والنقصان والطبيب الماهر هو المدبر الأكاسر لا يزال من أجل الفضة والذهب يتلو سورة أبي لهب تبت يداه وما كسب فهو يسعى في إقامة الميزان واعتدال الأوزان ويحافظ على إقامة نشأة الإنسان في شهر نيسان فإنه شباب الدهر وأوان الثمر والزهر ومسرح النواظر في النواضر فاعلم وإذا علمت فالزم وإذا لزمت فتكتم ومن ذلك سر النية في الموحدين والتنويه من الباب 33 لما لم يصح وجود العين الحادث المعرض للحوادث إلا بوجود الاثنين والثالث وذلك تركيب المقدمات لظهور المولدات بنكاح محسوس ومعقول على وجه وشرط معقول ومنقول فوافق العقل النقل وساعد الطبع السمع ألا ترى الأمر موقوفا على اقتدارنا فذو قبول كما حكمت به براهين العقول فمن نظر في توقف الاثنين على الثالث قال بالتوحيد في وجود عين الحادث ومن نظر إلى هذين قال مع وجود الزائد بالاثنين ورأوا الأمر بين ظلمة ونور وغم وسرور وقال في الكلام الذي لا يدخله ريب ولا مين ومن كل شئ خلقنا زوجين وما ثم غير هذين فالإله واحد والقائل بغير هذا يضرب في حديد بارد ومن ذلك سر أنفاس الجلاس من الباب 34 من جلس رأس وهو قولهم من ثبت نبت الجليس أنيس الذاكرون الله الله جليسهم وإذا كان جليسهم فهو بالذكر أنيسهم ومن جالسك فقد جالسته فأنتم جلساء الحق وذلك هو مقعد الصدق ثم يفترق الجلوس فأما أن تجلس إليه وإما أن يجلس إليك فإن جلس إليك كان في مقام حتى نعلم فإن فهمت فالزم وإن جلست إليه أفادك ظرائف الحكم وأتاك جوامع الكلم فقد يستفيد المفيد ويفيد المستفيد أهل المجالس والجلوس هم المقدمون والرؤوس كل من جلس خدم وكل من قام ندم لولا قيام الجدار ما انهدم ولولا إقامة النشأة الإنسانية إلى أرذل العمر ما سمي الهدم القائم متعرض لهبوب الأنفاس والمتحرك في قيامه متصف بالذاهب والخناس فتعوذوا برب الناس من شر الوسواس ومن ذلك سر الجرس واتخاذ الحرس من الباب 35 الجرس كلام مجمل والحرس باب مقفل فمن فصل مجمله وفتح مقفلة أطلع على الأمر العجاب والتحق بذوي الألباب وعرف ما صانه القشر من اللباب فعظم الحجاب والحجاب الإجمال حكمة وفصل الخطاب فسمة لإزالة غمه في أمور مهمة محجوبة بليال مدلهمة والحرس عصمه فهم أعظم نعمه لإزالة نقمه صلصلة الجرس عين حمحمة الفرس ومن ذلك سر تمهيد موسى لعيسى من الباب 36 التوراة أول جيل أمن بالإنجيل وأول نور ظهر بالزبور موسى خرج في طلب النار فورى زناد الأقدار فجاء بالتوراة وهو يحمد الآثار موسى حيي بعيسى لأنه روح عيسى كلمة من كلم موسى فأشبه نور يوح كلم الله موسى تكليما وسلم على عيسى تسليما وما سلم عليه إلا به ليتنبه ويسلم على ابن خالته بنفسه لتتميز رتبة يومه من أمسه فيرتفع اللبس باليوم الذي بين الغد والأمس كل متقدم من الرسل بشير وفي أمته نذير يعلم بالآتي ويحرض على صحبة المواتي ما نشأ الخلاف إلا من عدم الإنصاف وما ثم إلا خلف لأن الذي خلف من سلف خلف لم يكن لرسول الله ص خلف لأنه أنصف ومن ذلك سر حال الاتباع في الاتباع من الباب 37 لولا حكم الاتباع ما سموا بالأتباع أتباع الرسل هم المتحققون بالسبل من سلك سوى سبيله حمد في فعله وقيله الأمر صادق وصديق فلا بد من تابع ومتبوع هذا هو التحقيق حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق فإني بالله أسمع وأبصر وأنطق
(٣٣٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 329 330 331 332 333 334 335 336 337 338 339 ... » »»
الفهرست