منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٧٨
والحاصل: أن استلزام الاخبار بالوجوب لانتفاء الكراهة والإباحة و نحوهما يعد من استلزام الملزوم للازمه البين بالمعنى الأخص الذي لا مجال لانكار الملازمة أو الغفلة عنها.
وأما الوجه الثاني - وهو إنكار حجية الدلالة الالتزامية لكونها دلالة عقلية - فهو كسابقه في الغموض، فإن دليل اعتبار ظواهر الكلام ليس لفظيا حتى يقال باختصاص دلالته على حجية المدلول اللفظي بالمطابقي والتضمني فحسب، وبقاء حجية المدلول الالتزامي تحت أصالة عدم الحجية. وإنما الدليل على اعتبار ظواهر الألفاظ هو السيرة العقلائية الممضاة، ومن المعلوم صحة مؤاخذتهم على كل من ظاهر اللفظ ولازمه البين الملتفت إليه نوعا، ويكون عدم ترتيب أثر اللازم بمنزلة عدم ترتيب أثر الملزوم في كونه طرحا لظاهر الكلام.
وليس المدعى جواز الاحتجاج بمطلق اللوازم حتى اللازم البين بالمعنى الأعم الذي يتوقف الالتفات إليه على تمهيد مقدمات، بل المدعى حجية اللازم البين الذي يلتفت إليه نوع العقلاء.
و حيث إن نفي الثالث مدلول التزامي بين وكانت الدلالة العقلية حجة كالدلالة اللفظية فلا سبيل لطرح الدلالة الالتزامية - بعد تسليم أصل الاستلزام - بدعوى اختصاص حجية الظواهر بالدلالة اللفظية المطابقية.
وأما الوجه الثالث - وهو مركز النزاع في حجية المتعارضين في نفي الثالث وعدمها - فالحق ما أفاده سيدنا الفقيه الأصفهاني (قدس سره)، وبه يشكل استدلال المحقق النائيني (قده) وغيره من تبعية الدلالة الالتزامية للمطابقية في الوجود دون الحجية.
وتوضيحه أزيد مما تقدم في كلامه هو: أن الاخبار عن الملزوم وإن كان إخبارا عن اللازم، وكل منهما قد شملته عناية الجعل، إلا أن الاخبار بالملزوم ليس إخبارا عن اللازم بوجوده السعي، بل هو إخبار عن حصة خاصة هي لازمة له، وهذه الحصة الخاصة بما أنها لازمة للملزوم، فهي تتبعها في الوجود، وبانتفاء الملزوم ينتفي لازمه، ولا موضوع للحجية.
مثلا إخبار الراوي بوجوب شئ يستتبع الاخبار بعدم إباحته، لكن هذه الإباحة المنفية ليست مطلقة بمعنى كونها مدلول دليل الوجوب أو الكراهة أو الاستحباب أو الحرمة، بل هي إباحة خاصة لازمة للوجوب، بحيث لو تردد الراوي وشك في صدور الوجوب من الشارع لما أخبر عن عدم الإباحة قطعا، بل توقف عن الاخبار به.
وكذا لو أخبرت البينة بإصابة الدم للاناء، فإنه ليس إخبارا عن النجاسة المطلقة المسببة عن إصابة عين النجس مهما كان، بل هو إخبار عن النجاسة الحاصلة بوقوع الدم فيه، فإذا علمنا بكذب