منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٧٧
وجوب الاخذ بقول غيرهما إذا كان أقوى.
لا يقال: أن ما ذكرته هنا ينافي ما تقدم من أن الأصل في التخييرات العقلية الاخذ بكل ما يحتمل كونه مرجحا، فلا وجه لعدم الاخذ بما يحتمل كونه مرجحا لقول المفضول.
فإنه يقال: ما ذكرناه من الاخذ بمحتمل المرجحية - وإن لم يقم دليل على مرجحيته - إنما هو في دوران الامر بين التعيين والتخيير، لا بين المتباينين كما في المقام.
لا يقال: بناء الأصحاب في التعادل والترجيح على ترجيح الاخبار بالمرجحات الخارجية التي لم يقم دليل على حجيتها إذا لم تكن مما قام الدليل الخاص على عدم حجيتها كالقياس، وقول المجتهد أيضا طريق ظني للمقلد، فما الفارق بينهما؟ فإنه يقال أولا: إن ترجيح الاخبار بمطلق المرجحات من الداخلية والخارجية على القول به يستفاد من أخبار الترجيح، ومن المعلوم فقدان مثل هذه الأخبار في المقام.
وثانيا: ان حجية الاخبار إنما هي لأجل إفادتها الظن في نظر العاملين بها، وهم المجتهدون، وحيث اعتبر نظرهم في جعل الطريق الظني اعتبر نظرهم أيضا في طلب المرجحات عند التعارض.
وأما حجية أقوال العلماء للعوام فليست لأجل إفادتها الظن في نظر القاصرين وهم العوام، بل لأجل غلبة مصادفتها للواقع نوعا، فلا وجه لاعتبار نظرهم في طلب المرجحات.
والحاصل: أن الشارع لما وجد العوام قاصري النظر في الأمور العلمية جعل لهم أقوال العلماء طريقا تعبديا باعتبار ما فيها من غلبة المطابقة للواقع، وأمرهم بالرجوع إليهم، من غير النظر والفحص عن شئ، فكأنه صار نظرهم عند الشارع ساقطا عن الاعتبار في جميع المقامات.
الوجه الثاني: من وجوه عدم اعتبار ظنون المقلد الحاصلة من غير الطريق الشرعي المعين له هو: أن تلك الظنون مما لا يكاد ينضبط بضابط، فربما يحصل له الظن من قول عامي آخر أو من الرمل والجفر والنجوم ونحوها، وربما يترجح في نظرهم المفضول بملاحظة حسبه ونسبه واشتهاره بين العوام، ولا سبيل إلى الاعتماد على كل ظن حاصل من غير الطريق الشرعي، لأدائه إلى مفاسد عظيمة في هذا الدين، فلا بد من المنع عن الاعتماد عليها مطلقا.
فالنتيجة: أن الظن الموجود في طرف الأعلم لا يعارضه شئ من الظنون الداخلية، لان الكلام إنما هو بعد فرض تساوي الفاضل و المفضول في جميع الجهات غير الفضل، فيجب اتباعه بحكم