منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦١
بفتوى المفضول.
فإنه يقال: إن أدلة التقليد لا تشمل الفتويين المتعارضتين، فمقتضى القاعدة تساقطهما. إلا أن الاجماع المدعى على عدم تساقطهما يقتضي لزوم الاخذ بإحداهما. وحينئذ فإن كان المجتهدان متساويين في الفضيلة حكم العقل بالتخيير بين الفتويين. وإن كانا متفاضلين فيها حكم العقل بلزوم الاخذ بفتوى الأفضل، دون التخيير، لفقدان ملاكه وهو التساوي.
وبالجملة: فلا دليل على التخيير بين فتويي الفاضل والمفضول، لا من العقل، لتقبيحه الاخذ بالمرجوح مع وجود الراجح، ولا من النقل، لعدم شمول أدلة التقليد للفتويين المتعارضتين كما مر آنفا.
وفي الاشكال الثاني: أن أصالة التعيينية التي هي جارية في المسألة الأصولية حاكمة على الاحتياط الجاري في المسألة الفقهية، لأنهما كالشك السببي والمسببي، حيث إن الأصل الجاري في المسألة الأصولية يزيل الشك في المسألة الفقهية.
وبالجملة: فشي من الاشكالين المزبورين لا يوجب الخدشة في أصالة التعيينية الموجبة لتعين العمل بفتوى الأفضل، والله العالم.
إذا اتضح الأصل الذي يعول عليه في المسألة يقع الكلام في أدلة المانعين والمجوزين.
اعلم: أن المسألة ذات قولين: أحدهما تعين تقليد الأفضل، وعدم جواز تقليد المفضول، وهذا القول هو المعروف بين الأصحاب وجماعة من العامة، وفي تقريرات شيخنا الأعظم (قده): (بل هو قول من وصل إلينا كلامه من الأصوليين كما عن النهاية) وفي المعالم: (هو قول الأصحاب الذين وصل إلينا كلامهم). وعن المحقق الثاني (قده) (دعوى الاجماع صريحا على ذلك) وعن التقريرات: (ويظهر من السيد في الذريعة كونه من مسلمات الشيعة).
وثانيهما: الجواز أي التخيير بين الفاضل والمفضول، وعدم تعين تقليد الفاضل، وهو المنسوب في التقريرات المشار إليها (إلى جماعة ممن تأخر عن الشهيد الثاني (قده) تبعا للحاجبي والعضدي والقاضي وجماعة من الأصوليين والفقهاء، وصار إليه جملة من متأخري أصحابنا حتى صار في هذا الزمان قولا معتدا به، والأقرب ما هو المعروف بين أصحابنا).
وكيف كان ففي المسألة قولان: الأول جواز تقليد المفضول كما عليه جماعة، والثاني المنع كما عليه المشهور، فهنا مبحثان أحدهما في المنع، والاخر في الجواز.