منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦٧
في حجية كل واحدة من الفتاوى تعيينا بنحو العام الاستغراقي، لكن لا بد من صرفها في تعارض الفتويين إلى الحجية التخييرية بقرينتين خارجية وعقلية.
أما الخارجية فهي كثرة الاختلاف في الفتاوى مع التفاوت في العلم والفضيلة، وندرة الاتفاق بين جمع كثير من المجتهدين في الفتوى، حيث إنه مع هذه الكثرة من الاختلاف في الفتوى لم يقيد الأئمة المعصومون (عليهم الصلاة والسلام) حجية قول الفقيه بعدم مخالفته لفتوى غيره من الفقهاء. فهذه قرينة قطعية على إطلاق أدلة التقليد الذي مقتضاه حجية فتوى كل من الفاضل والمفضول سواء أكانتا متوافقتين أم متخالفتين، وسواء علم بتوافقهما وتخالفهما أم لا، وسواء علم بتساوي المجتهدين في العلم أم لا، فإن الاطلاق المزبور يقتضي هذا التعميم.
وأما القرينة العقلية، فهي: أن القاعدة في الدليلين المتعارضين تقتضي الجمع بينهما مهما أمكن، وعدم طرحهما رأسا، وهذا الجمع ينتج التخيير بينهما.
توضيحه: أنه إذا ورد دليل على وجوب القصر في المسافة التلفيقية وإن كان الذهاب أقل من أربعة فراسخ، ودليل آخر على وجوب الاتمام فيها، فلا سبيل إلى طرح كليهما، والحكم بعدم وجوب شئ من صلاتي التمام والقصر، بل لا بد من الاخذ بأحدهما تخييرا بأن يقيد إطلاق كل من الدليلين بالآخر، فيقال: يجب إتمام الصلاة إلا مع الاتيان بالصلاة المقصورة، وكذا تجب المقصورة إلا مع الاتيان بالتامة، فالنتيجة الوجوب التخييري بينهما.
وبالجملة: فمع إمكان الجمع بين المتعارضين بتقييد الاطلاق فيهما لا وجه لطرحهما، ففي المقام يقيد إطلاق حجية فتوى كل من الفاضل والمفضول، ويقال: إن فتوى كل منهما حجة في ظرف عدم الاخذ بالأخرى، ففتوى المفضول حجة في ظرف عدم الاخذ بفتوى الأفضل، وبالعكس، وهذا معنى التخيير، هذا.
وأنت خبير بما في كلتا القرينتين.
إذ في الأولى أولا: منع غلبة الاختلاف في الفتوى بين المفتين في تلك الاعصار مع تمكنهم من الرجوع إلى الأئمة المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين)، وأخذ الاحكام ومداركها منهم (عليهم السلام). وغلبة الاختلاف في الفتاوي إنما حدثت في الاعصار المتأخرة عن زمانهم عليهم السلام، لضياع جملة من كتب الحديث، وغيره من الحوادث. وعليه فإطلاقات حجية الفتاوى لا تشمل