منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٦٤
ملاكيهما، وبتعيين أحدهما مع أهمية ملاكه من ملاك الاخر. ومرجع الشك في التعيين والتخيير في هذا القسم إلى الشك في ترجيح أحد المتزاحمين على الاخر وعدمه، فالتخيير حينئذ عقلي عارضي ناش من التزاحم في مقام الامتثال، مع عدم مزاحمتهما في مقام الجعل، و ليس هنا مورد للبراءة، إذ المفروض العلم بوجوب المتزاحمين واقعا.
القسم الرابع: التخيير بين فعل شئ وتركه، لدوران حكمه بين الوجوب والحرمة مع عدم مرجح لأحدهما، فإن التخيير في موارد دوران الامر بين المحذورين ليس شرعيا ولا عقليا. أما عدم كونه شرعيا فواضح، إذ حكم الفعل واقعا واحد معين وهو الوجوب أو الحرمة. وأما عدم كونه عقليا فلعدم ملاك في كل من الفعل والترك حتى يحكم العقل - حفظا لاحد الملاكين - بالتخيير كما في الواجبين المتزاحمين، فالتخيير في هذا القسم تكويني، حيث إن المكلف بحسب طبعه إما فاعل وإما تارك، ولا تجري البراءة في هذا القسم أيضا، لعدم الشك في الحكم.
والحاصل: أن التخيير إما عقلي وإما شرعي وإما تكويني، والأول يكون في موردين أحدهما:
أفراد الكلي المتعلق للحكم الشرعي كالرقبة، والاخر: الواجبان المتزاحمان الواجد كل منهما لملاك الوجوب التعييني.
والثاني يكون فيما قام الدليل الشرعي على التخيير بين شيئين أو أشياء كالخصال.
والثالث يكون في دوران الامر بين المحذورين.
ثم إنه بعد الإحاطة بأقسام التخيير الأربعة يظهر مغايرتها للتخيير بين الفتويين المتعارضتين، حيث إنه - بعد عدم شمول إطلاقات التقليد للفتاوى المتعارضة، وقيام الاجماع على عدم تساقطها - يحكم العقل بالتخيير بينها مع التساوي في العلم، وبالتعيين مع المزية، لكونه إطاعة ظنية، بخلاف الاخذ بفتوى المفضول، فإن الإطاعة فيه احتمالية، فلو عمل بفتوى المفضول مع التمكن من العمل بفتوى الأفضل فقد أخل بمراتب الإطاعة، إذ العقل لا يتنزل عن المرتبة السابقة إلى اللاحقة إلا بالتعذر.
فعلى هذا لا يتنزل العقل عن العمل بفتوى الأفضل مع التمكن، ومنه لا يعد الاخذ بفتوى المفضول إطاعة موجبة للاجزاء، فتعين العمل بفتوى الأفضل يكون بحكم العقل من باب الإطاعة، ورعاية ما فيها من المراتب، ولا يكون بحكم الشرع حتى تجري فيه البراءة. بخلاف تعين بعض أفراد المطلق كالرقبة، فإن تعين المؤمنة مثلا يكون بحكم الشارع، فإذا شك في هذا التعين جرت فيه