منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥١٤
مقدمات كثيرة. لكنه لا يوجب اختلافا في معنى الاجتهاد والتفقه.
لكن قد يشكل الاستدلال بهذه الكريمة على حجية الفتوى بامتناع إرادة القبول تعبدا، لوجهين:
أحدهما: استناد الأئمة الطاهرين عليهم السلام إليها في مسألة وجوب الفحص عن الامام بعد أن حدث بالامام حدث، ومن المعلوم مطلوبية العلم بإمامة الامام اللاحق، لئلا يندرج في قوله (عليه السلام): (من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية) والروايات كثيرة مذكورة ذيل الآية الشريفة في تفسير البرهان، ونقتصر على ذكر واحدة منها تبركا، وهي ما رواه عن ثقة الاسلام عن محمد ابن يحيى عن محمد بن الحسين عن صفوان عن يعقوب بن شعيب، قال: (قلت لأبي عبد الله (عليه السلام): إذا أحدث على الامام حدث كيف يصنع الناس؟ قال: أين قول الله عز وجل: فلو لا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون؟ قال: هم في عذر ما داموا في الطلب، وهؤلاء الذين ينتظرونهم في عذر حتى يرجع إليهم أصحابهم).
ثانيهما: أن المأمور به في الآية الشريفة هو التفقه في الدين، وليس التفقه فيها إحراز الأحكام الشرعية الالزامية خاصة، فإن تعريف الفقه بالعلم بالأحكام الفرعية اصطلاح من الأصحاب، وإلا فللتفقه في الدين معنى أوسع من معرفة الحلال والحرام، وقد أطلق في الاخبار (الفقه الأكبر) على طور آخر من المباحث، فالفقه بمعنى (العلم بالأحكام) شئ من التفقه في الدين وليس بتمامه، لان المعارف المتعلقة بالمبدأ والمعاد والسنن والأخلاق وغيرها كلها من الدين، وقد أمر سبحانه وتعالى بالتفقه بهذا المعنى الواسع. ويشهد له الخبر المتقدم المتضمن لاستدلال الإمام الصادق عليه السلام بالآية المباركة على وجوب الفحص عن الامام، وعدم كون العباد في سعة من ترك الطلب والفحص عنه عليه السلام.
وعليه نقول: إن وجوب قبول إنذار الفقيه تعبدا لا يلتئم مع الامر بالتفقه بهذا المعنى، لفرض اعتبار العلم بالأصول الاعتقادية، وعدم كفاية إنذار المتفقه في وجوب قبولها ولو لم يفد اليقين.
ولا بد من التصرف إما في إطلاق (الفقه) بإرادة معناه المصطلح عند الفقهاء، حتى يتجه الاستدلال بها على حجية الفتوى، لوجوب قبول العامي لها سواء حصل له العلم بالواقع أم لا. وإما في وجوب التحذر بحمله على التحذر عند حصول العلم، والتصرف في الفقه بإخراج الاحكام الفرعية التي لا يتوقف إذعانها والعمل بها على معرفتها، لوضوح امتناع إرادة الوجوب الارشادي والمولوي من