منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٥٠٣
أما على الأول فلان القضية الفطرية هي التي يكون قياسها معها كقولهم: (الأربعة زوج) فإنها قضية فطرية، لاستغنائها - كسائر البديهيات - عن الاستدلال، بل العقل يذعن بزوجية الأربعة بمجرد التفاته إلى (انقسامها بمتساويين، وكل منقسم بمتساويين زوج) و من المعلوم أن الفطري بهذا المعنى هو كون العلم نورا وكمالا للعاقلة في قبال الجهل، لا لزوم التقليد عند الشارع أو عند العقلاء، ولا نفس رفع الجهل بعلم العالم.
وأما على الثاني فلان الفطري الجبلي لكل إنسان هو شوق النفس إلى رفع نقص الجهل، وكمال ذاتها أو كمال قواها، لا لزوم التقليد شرعا أو عند العقلاء. نعم ثبوت الشوق إلى رفع الجهل وجداني لا جبلي ولا فطري. وعليه فرفع الجهل بعلم العالم جبلي، لكنه أجنبي عن التقليد المبحوث عنه وهو أخذ قول الغير تعبدا. ومجرد دعوة الجبلة والطبع إلى رفع الجهل لا يجدي في جعل التقليد - بمعنى الانقياد للعالم تعبدا - جبليا ولو لم يحصل العلم بالواقع.
وعليه فلا لزوم التقليد فطري بأحد المعنيين كما لا يكون جبليا، ولا نفس التقليد فطري.
الثاني: أن الجمع بين البداهة والفطرة والجبلة لاثبات جواز التقليد لا يخلو من شئ، فإن الفطري بالمعنى الأول وإن كان يناسب البداهة، لكون القضايا الفطرية من أقسام البديهيات، لكنه لا يناسب الجبلي، لمقابلة الفطري بالمعنى الأول مع الجبلي كما عرفت. و الفطري بالمعنى الثاني وإن كان مناسبا للجبلة، لأنهما بمعنى واحد، لكنه لا يناسب البداهة، إذ ليست الجبليات من أقسام البديهيات الست.
هذا ما أفاده المحقق الأصفهاني (قدس سره) بتوضيح منا، وقال في آخر كلامه: (ولقد خرجنا بذلك عن مرحلة الأدب، والله تعالى مقيل العثرات).
والظاهر ورود ما أفاده على المتن بناء على إرادة الفطري بأحد المعنيين المتقدمين.
لكن يمكن أن يكون مقصود المصنف من الفطرة والبداهة غير ما هو مصطلح أهل الميزان، بل هو الحكم العقلي المستقل المغروس في نفس كل عاقل وشاعر، فالحكم الفطري حينئذ هو الحكم الارتكازي الراسخ في نفوس العقلاء، كسائر أعمالهم المنبعثة عن ارتكازياتهم كالعمل بخبر الثقة وظاهر الكلام ونحوهما من موارد السير العقلائية التي لا منشأ إلا الارتكاز.
وتعبير المصنف بالحكم الفطري والعقلي وإن تكرر منه هنا وفي مسألة تقليد الميت الآتية، إلا