منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٤١٣
لان حجية رأي الغير في حقه أول الكلام، والأصل عدم الحجية، و ذلك لانصراف أدلة حجية الرأي على الغير عمن له ملكة الاجتهاد. و لان الجزم بالامتثال يتوقف على اجتهاده والعمل برأي نفسه، ولا يحصل بالتقليد، لاحتمال تخطئته للغير في فتواه.
فلا يصغى إلى ما قيل: (من جواز رجوعه إلى الغير، لان مجرد وجود الملكة لا يجعل المتصف بها عالما بالأحكام، فهو بعد جاهل بها، فيجوز له تقليد غيره، لكونه من رجوع الجاهل إلى العالم) وذلك لما عرفت من الشك في حجية فتوى الغير بعد التمكن من العلم بالمؤمن الواجب عقلا تحصيله، والمفروض كون رأي الغير في حقه مشكوك المؤمنية.
فان قيل: إن مقتضى عدم حجية رأي الغير بالنسبة إلى واجد الملكة هو عدم حجيته لفاقدها أيضا مع التمكن من تحصيلها ولو بعد سنين بالدراسات الممتدة في أزمنة متمادية، وهذا مما لا يلتزم به.
قلنا: إن القياس مع الفارق، لان واجد الملكة قادر فعلا على تحصيل العلم بالوظيفة الفعلية، بخلاف فاقدها، فإن إيجاب ذلك عليه مساوق لوجوب الاجتهاد عينا مع وضوح كونه كفائيا كما هو مقتضى آية النفر.
كما لا يشمله الامر بالسؤال من أهل الذكر، فإن المخاطب بالسؤال هو الجاهل، وذو الملكة لا يصدق عليه الجاهل حتى يطلب منه السؤال، لاحتمال كونه مخطئا للعالم الذي يرجع هو إليه، بل قد لا يكون المسؤول عالما بنظره، فيكون من رجوع العالم إلى الجاهل.
والمقام نظير من يكون مديونا جاهلا بمقدار الدين، لكنه مضبوط في دفتره، بحيث إذا رجع إليه علم مقداره تفصيلا، فهل يجوز له عقلا أن يقتصر في معرفة مقداره على إخبار من يحتمل كذبه ولا يطمئن بصدقة مع التمكن من العلم تفصيلا بمقداره؟ فان من المعلوم عدم حكم العقل بفراغ ذمته عن ذلك الدين إلا بمراجعة الدفتر المزبور.
وإن شئت فقل: إن رجوعه إلى غيره إما من رجوع الجاهل إلى الجاهل في نظره، وإما من رجوع العالم إلى الجاهل، فالتمسك بأدلة التقليد على جواز رجوع واجد الملكة إلى غيره تمسك بالدليل في الشبهة المصداقية، إذ المفروض احتمال تخطئة واجد الملكة لغيره في الفتوى، فلا يكون ذلك الغير عالما بنظره.
ولا وجه أيضا لاستصحاب جواز رجوعه إلى الغير الذي كان ثابتا قبل حصول الملكة له، وذلك لعدم حجيته في تبدل الحال الموجب للشك في بقاء الموضوع.