منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٢٥
لسراية حكم المدلول إلى الدال. وان كان التعارض أخص من مطلق التنافي - كما هو الصحيح - لعدم اتصاف المدلول كالوجوب و الحرمة بالتعارض بل بالتمانع والتنافي، وكذلك الحجية، فإنها لا توصف أيضا بالتعارض، بل بالمنافاة وشبهها، وإنما المتصف بالتعارض ما دل على الوجوب وما دل على الحرمة، فيقال: (تعارض الخبران) لا (تعارض الحكمان) فهو من أوصاف الدال بما هو دال بالذات لا بالعرض وان كان تنافيهما بالعرض من جهة سرايته من المدلول إليهما.
وعليه يتجه ما أفاده الماتن من كون التعارض تنافي الدليلين في مقام الدلالة والاثبات، خصوصا إذا كان التعارض من العرض بمعنى الاظهار، فان لكل من الدالين المتنافيين ثبوتا، ويظهر كل منهما نفسه على الاخر، بخلاف المدلولين، فإنه لا ثبوت إلا لأحدهما، فلا معنى لاظهار كل منهما نفسه على صاحبه.
وبهذا البيان يظهر وجه تصرف شيخنا الأعظم في تحديد المشهور للتعارض بجعله تنافي الدليلين لا المدلولين. وليس وجهه ما أفاده المصنف في حاشية الرسائل من خروج موارد الحكومة عنه، وإن كان الشيخ قد أخرج بعض تلك الموارد عن التعارض أيضا بعد اعتبار اتحاد الموضوع في المتعارضين.
وعلى هذا فالظاهر أن التعارض عند الشيخ والمصنف (قد هما) بمعنى واحد من حيث اتصاف الدليل به لا المدلول، ويكون تقابل المدلولين بالتناقض أو التضاد واسطة ثبوتية وحيثية تعليلية لتعارض الدليلين، لا حيثية تقييدية وواسطة في العروض حتى يكون التعارض قائما بالمدلولين حقيقة، وبالدليلين عناية وبالعرض.
وبهذا يظهر غموض ما في حاشية المحقق المشكيني (قده) من فرض تغاير تعريفي الشيخ والمصنف (قدهما) للتعارض، وبيان الفرق بينهما ب (كون التعارض من صفات نفس الدليلين حقيقة وان كان منشؤه هو تنافي المدلولين على الأول. ومن صفات المدلولين حقيقة على الثاني، فيكون تنافي المدلولين على الأول من الحيثيات التعليلية وواسطة في الثبوت، وتوصيف الدليلين به توصيفا بحال الموصوف، ولا يصح سلبه عنه مثل توصيف الماء بالحرارة بواسطة النار. ومن الحيثيات التقييدية وواسطة في العروض. على الثاني). وذلك لان منشأ هذه التفرقة هو قول الشيخ بعد ذكر تنافي الدليلين: (باعتبار مدلولهما) مع أن هذه الكلمة تناسب كلا من الحيثية التعليلية