منتهى الدراية - السيد محمد جعفر الشوشتري - ج ٨ - الصفحة ٢٣
فتأمل.
وبالجملة: فبسبب الدليل الخارجي تندرج نظائر دليلي الظهر و الجمعة في التعارض، إذ به يتحقق التنافي بينهما وهو التناقض الناشئ من الدلالة الالتزامية ويجري عليهما أحكام التعارض.
وأما التمثيل لهذا القسم - أي: العلم الاجمالي بكذب أحد الدليلين - بمثل انفعال البئر واستحباب الوضوء نفسيا - ففيه: أنه وان كان في نفسه صحيحا، لكنه أجنبي عن باب التعارض، ضرورة أن مجرد العلم الاجمالي بكذب أحد الدليلين لا يوجب تناقضا ولا تضادا في المتعلقين ولا في حكميهما حتى يصدق عليهما تعريف التعارض، فان صدقه على الدليلين منوط بتناقضهما أو تضادهما حقيقة كالوجوب وعدمه أو الوجوب والحرمة، أو عرضا كتناقض دليلي الظهر والجمعة الناشئ من حكم الشارع بكون الفريضة إحداهما، فإنه يوجب مناقضة مدلول كل منهما مطابقة لمدلول الاخر التزاما على التقريب المتقدم آنفا.
وكالتناقض الناشئ من الملازمة الشرعية بين حكمين كوجوب القصر والافطار، فإذا دل دليل على وجوب القصر مطابقة كان دالا على عدم وجوبالصوم التزاما، كما أنه إذا قام دليل على وجوبالصوم مطابقة كان دالا على عدم وجوب القصر التزاما، فيقع التعارض بين الدلالة المطابقية لكل منهما مع الدلالة الالتزامية للاخر، فالقصر واجب بالدلالة المطابقية لاحد الدليلين وغير واجب بالدلالة الالتزامية للدليل الاخر، وكذا الاتمام.
فصور التعارض التي تجري فيها أحكام التعارض منحصرة في تنافي الدليلين بالتناقض أو التضاد حقيقة كما مر آنفا، أو عرضا إما لحكم الشارع بوحدة الحكم كما في مثال الظهر والجمعة، وإما لحكمه بالملازمة بين حكمين كوجوب القصر والافطار على ما مر آنفا.
وأما مجرد العلم الاجمالي بكذب أحد الدليلين من دون حصول التنافي بينهما لا مطابقة ولا التزاما - كالدليلين الدال أحدهما على انفعال ماء البئر بالملاقاة والاخر على الاستحباب النفسي للوضوء - فلا يوجب اندراجهما في باب تعارض الخبرين وجريان أحكامه عليهما، بل يعامل معهما معاملة العلم الاجمالي، فإن كانا دالين على الحكم الإلزامي كدلالة أحدهما على وجوب جلسة الاستراحة و الاخر على حرمة شرب التتن جرى عليهما حكم العلم الاجمالي من لزوم الاحتياط بناء على كون العلم بجنس التكليف كالعلم بنوعه في التنجيز.
وإن كان أحدهما دالا على الحكم الإلزامي والاخر على الترخيصي جرى فيه أصل البراءة، لرجوع الشك فيه إلى الشك في التكليف.