امتناع التعبد بصدور الموافق، لدوران أمره بين عدم صدوره من أصله، وبين صدوره تقية، ولا يعقل التعبد به على التقديرين بداهة، كما أنه لا يعقل التعبد بالقطعي الصدور الموافق، بل الامر في الظني الصدور أهون، لاحتمال عدم صدوره، بخلافه.
ثم قال: فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة، مع نص الامام - عليه السلام - على طرح موافقهم، من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة، فضلا عمن هو تالي العصمة علما وعملا.
ثم قال: وليت شعري، إن هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه؟ مع أنه في وجودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر.
وأنت خبير بوضوح فساد برهانه، ضرورة عدم دوران أمر الموافق بين الصدور تقية وعدم الصدور رأسا، لاحتمال صدوره لبيان حكم الله واقعا، وعدم صدور المخالف المعارض له أصلا، ولا يكاد يحتاج في التعبد إلى أزيد من احتمال صدور الخبر لبيان ذلك بداهة، وإنما دار احتمال الموافق بين الاثنين إذا كان المخالف قطعيا صدروا وجهة ودلالة، ضرورة دوران معارضة حينئذ بين عدم صدوره وصدوره تقية، وفي غير هذه الصورة كان دوران أمره بين الثلاثة لا محالة، لاحتمال صدوره لبيان الحكم الواقعي حينئذ أيضا.
ومنه قد انقدح إمكان التعبد بصدور الموافق القطعي لبيان الحكم الواقعي أيضا، وإنما لم يكن التعبد بصدوره لذلك إذا كان معارضة المخالف قطعيا بحسب السند والدلالة، لتعيين حمله على التقية حينئذ لا محالة، ولعمري إن ما ذكرنا أوضح من أن يخفى على مثله، إلا أن الخطأ والنسيان كالطبيعة الثانية للانسان، عصمنا الله من زلل الاقدام والأقلام في كل ورطة ومقام.
ثم إن هذا كله إنما هو بملاحظة أن هذا المرجح مرجح من حيث الجهة، وأما بما هو موجب لأقوائية دلالة ذيه من معارضه، لاحتمال التورية في المعارض المحتمل فيه التقية دونه، فهو مقدم على جميع مرجحات الصدور، بناء على ما هو