طريق الماء فيتعين عليه أن يرده إلى طريق الماء ويسقيه إن قدر على ذلك فهذا من النصيحة الدينية وكذلك لو رأى من ليس على ملة الإسلام يفعل فعلا من سفساف الأخلاق تعين على الناصح أن يرده عن ذلك مهما قدر إلى مكارم الأخلاق وإن لم يقدر عليه تعين عليه أن يبين له عيب ذلك فربما انتفع بتلك النصيحة ذلك الشخص بما له في ذلك من الثناء الحسن وينتفع بتلك النصيحة من اندفع عنه ضرر هذا الذي أراد أن يضره وإن لم يكن مسلما ذلك المدفوع عنه فيتعين على صاحب الدين نصح عباد الله مطلقا ولهذا يتعين على السلطان أن يدعو عدوه الكافر إلى الإسلام قبل قتاله فإن أجاب وإلا دعاه إلى الجزية إن كان من أهل كتاب فإن أجاب إلى الصلح بما شرط عليه قبل منه يقول الله فإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله فيبقى على المسلمين إن كانت المنفعة للمسلمين في ذلك فإن أبوا إلا القتال قاتلهم وأمر المسلمين بقتالهم على أن تكون كلمة الله هي العلياء وكلمة الذين كفروا السفلي إلا أنه من التزم النصح قل أولياؤه فإن الغالب على الناس اتباع الأهواء ولذلك يقول رسول الله ص ما ترك الحق لعمر من صديق وكذلك قال أويس القرني قولك الحق لم يترك لك صديقا ولنا في ذلك لما لزمت النصح والتحقيقا * لم يتركا لي في الوجود صديقا ويحتاج الناصح إلى علم كثير من علم الشريعة لأنه العلم العام الذي يعم جميع أحوال الناس وعلم زمانه ومكانه وما ثم إلا الحال والزمان والمكان وبقي للناصح علم الترجيح إذا تقابلت هذه الأمور فيكون ما يصلح الزمان يفسد الحال أو المكان وكذلك كل واحد منها فينظر في الترجيح فيفعل بحسب ما يترجح عنده وذلك على قدر إيمانه مثال ذلك أن يعلم أن الزمان قد أعطى بحاله في أمرين هما صالحان في حق شخص وضاق الزمان عن فعلهما معا فيعدل إلى أولاهما فيشير به على المستشير وكذلك إذا عرف من حال شخص المخالفة واللجاج وإنه إذا دله على أمر فيه مصلحته يفعل بخلافه فمن النصيحة أنه لا ينصحه بل يشير عليه بخلاف ذلك إذا علم إن الأمر محصور بين أن يفعل ذلك أو هذا الذي فيه المصلحة وشأنه المخالفة واللجاج فيشير عليه بما لا ينبغي فيخالفه فيفعل ما ينبغي والأولى عندي تركه ولقد جرى لي مع أشخاص أظهرنا لهم أن في فعلهم ذلك الخير الذي نريده منهم نكايتنا وهم يريدون نكايتنا فأشرنا عليهم أن لا يفعلوا ذلك ولهم في فعله الخير العظيم لهم فلم يفعلوا وفعلوا ما نهيتهم عنه أن يفعلوه فهذه نصيحة خفية لا يشعر بها كل أحد وهذا يسمى علم السياسة فإنه يسوس بذلك النفوس الجموحة الشاردة عن طريق مصالحها فلذلك قلنا إن الناصح في دين الله يحتاج إلى علم كثير وعقل وفكر صحيح وروية حسنة واعتدال مزاج وتؤدة وإن لم تكن فيه هذه الخصال كان الخطاء أسرع إليه من الإصابة وما في مكارم الأخلاق أدق ولا أخفى ولا أعظم من النصيحة ولنا فيه جزء سميناه كتاب النصائح ذكرنا فيه ما لا يعول عليه وما يعول عليه ولكن أكثره فيما لا يعول عليه مما يعول الناس عليه ولكن لا يعلمون (وصية) وعليك بمراعاة حالك في الزمان بين الصلاتين وأنت لا تخلو أبدا أن تكون بين صلاتين فإن الأمر دور والزمان الذي بين الظهر والعصر زمان بين صلاتين وكذلك بين العصر والمغرب وبين المغرب والعشاء وبين العشاء والصبح وبين الصبح والظهر ودار الدور وجاء الكور وإذا خرج وقت صلاة دخل وقت صلاة لأخرى إلا صلاة الصبح فإنه لا يدخل وقت صلاة الظهر بخروج وقت صلاة الصبح بلا خلاف وكذلك العتمة والصبح بخلاف إلا أنه لا يدخل وقت الظهر إلا بعد خروج وقت الصبح لا بد من ذلك فلا يدخل وقت صلاة حتى يخرج وقت التي قبلها فالداخلة أبدا على أثر الخارجة وقد يكون بعد طلوع الشمس وقت أداء الصبح بوجه إلى أن تزول الشمس فيدخل وقت الظهر وذلك أن الإنسان قد يصلي الركعة الأولى من الصبح مثلا قبل طلوع الشمس ويقول الشارع فيه إنه أدرك الصبح فتطلع الشمس عليه وقد شرع في الركعة الثانية من الصبح فلو أطالها إلى حد الزوال لجاز وذلك وقتها وهو مؤد لها فما خرج وقت صلاة الصبح في حق هذا حتى دخل وقت الظهر وهكذا في جميع الصلوات فإن أوقات هذه الصلوات فيها خلاف بين العلماء فلهذا ذكرناها تنبيها على إن فيها خلافا فيجوز على هذا أن تكون صلاة على أثر صلاة ولا لغو بينهما فقد جعل أن بين الصلاتين زمانا لا صلاة فيه ذلك الزمان هو زمان اللغو أو تركه وإنما قلنا زمان اللغو
(٤٧٠)