المتأدبين بآداب الله التي شرعها للمؤمنين على ألسنة الرسل ع واعلم أن المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا وها في العالم إلا مؤمن لأن ما في العالم إلا من هو ساجد لله إلا بعض الثقلين من الجن والإنس فإن في الإنسان الواحد منهم كثيرا ممن يسبح الله ويسجد لله وفيه من لا يسجد لله وهو الذي حق عليه العذاب انظر في قوله يا أيها الذين آمنوا آمنوا فسماهم مؤمنين وأمرهم بالإيمان فالأول عموم الايمان فإن الله قال في حق قوم والذين آمنوا بالباطل والثاني خصوص الايمان وهو المأمور به والأول إقرار منهم من غير إن يقترن به تكليف بل ذلك عن علم وأيسره في بني آدم حين أشهدهم على أنفسهم كما قال وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلي فخاطبهم بالمؤمنين حين إيه بهم ثم أمرهم بالإيمان في هذه الحالة لأخرى وما تعرض للتوحيد المطلق رحمة بهم فإنه القائل وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون الشرك الخفي وقد ذكرناه فلذلك قال لهم آمنوا بالله ولم يقل بتوحيد الله فمن آمن بوجود الله فقد آمن ومن آمن بتوحيده فما أشرك فالإيمان إثبات والتوحيد نفي شريك ومن أسماء الله المؤمن وهو يشد من المؤمن المخلوق قال ص يرحم الله أخي لوطا لقد كان يأوي إلى ركن شديد وهو الاسم المؤمن فالمؤمن يشد من المؤمن فافهم (وصية) كن عمري الفعل فإن عمر ابن الخطاب رضي الله عنه يقول من خدعنا في الله نخدعنا له فاحذر يا أخي إذا رأيت أحدا يخدعك في الله وأنت تعلم بخداعه إياك فمن كرم الأخلاق أن تنخدع له ولا توجده إنك عرفت بخداعه وتباله له حتى يغلب على ظنه أنه قد أثر فيك بخداعه ولا يدري إنك تعلم بذلك لأنك إذا قمت في هذه الصفة فقد وفيت الأمر حقه فإنك ما عاملت إلا الصفة التي ظهر لك بها والإنسان إنما يعامل الناس لصفاتهم لا لأعيانهم ألا تراه لو كان صادقا غير مخادع لوجب عليك إن تعامله بما ظهر لك منه وهو ما يسعد إلا بصدقه كما أنه يشقى بخداعه ونفاقه فإن المخادع منافق فلا تفضحه في خداعه وتجاهل له وانصبغ له باللون الذي أراده منك أن تنصبغ له به وادع له وارحمه عسى الله أن ينفعه بك ويجيب فيه صالح دعائك فإنك إذا فعلت هذا كنت مؤمنا حقا فإن المؤمن غر كريم لأن خلق الايمان يعطي المعاملة بالظاهر والمنافق خب لئيم أي لئيم على نفسه حيث لم يسلك بها طريق نجاتها وسعادتها كن رداء وقميصا لأخيك المؤمن وحطه من ورائه واحفظه في نفسه وعرضه وأهله وولده فإنك أخوه بنص الكتاب العزيز واجعله مرآة ترى فيها نفسك فكما تزيل عنك كل أذى تكشفه لك المرآة في وجهك كذلك فلتزل عن أخيك المؤمن كل أذى يتأذى به في نفسه فإن نفس الشئ وجهه وحقيقته (وصية) واحفظ حق الجار والجوار وقدم الأقرب دارا إليك فالأقرب وتفقد جيرانك مما أنعم الله به عليك فإنك مسؤول عنهم وادفع عنهم ما يتضررون به كان الجيران ما كانوا وما سميت جارا له وجارا لك إلا لميلك إليه بالإحسان وميله إليك ودفع الضرر مشتق من جار إذا مال فإن الجور الميل فمن جعله من الجور الذي هو الميل إلى الباطل والظلم في العرف فهو كمن يسمى اللديغ سليما في النقيض وفي هذا فغلبت حق الجوار كان الجار ما كان كأنه يقول وإن كان الجار من أهل الجور أي الميل إلى الباطل بشرك أو كفر فلا يمنعنك ذلك منه عن مراعاة حقه فكيف بالمؤمن فحق الجار إنما هو على الجار وأعجب ما رويته في ذلك عن بعض شيوخنا فذكر من مناقب بعض الأعراب أن جراد أنزل بفناء بيته فخرجت الأعراب إليه بالعدد ليقتلوه ويأكلوه فقال لهم صاحب البيت ما تبتغون فقالوا له نبتغي قتل جارك يريدون الجراد فقال لهم بعد أن سميتموه جاري فوالله لا أترك لكم سبيلا إليه وجرد سيفه يذب عنه مراعاة لحق الجوار فهذا كما سئل مالك بن أنس عن أكل خنزير البحر فقال هو حرام فقيل له إنه سمك من حيوان البحر الذي أحل الله أكله لنا فقال لهم مالك أنتم سميتموه خنزيرا ما قلتم ما تقول في سمك البحر فاهجر ما نهاك الله عنه وقد نهاك عن أذى الجار فاهجر أذاه وادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وفيما روينا من الأخبار في سبب نزول هذه الآية إن أعرابيا جاء إلى رسول الله ص من المشركين من فصحاء العرب وقد سمع أن الله قد أنزل عليه قرآنا عجز عن معارضته فصحاء العرب فقال له يا رسول الله هل فيما أنزل
(٤٦٥)