الرفعة إنما هي للرتبة والمنصب لا لذاته فإنه إذا عزل عنها لم يبق له ذلك الوزن الذي كان يتخيله وينتقل ذلك إلى من أقامه الله في تلك المنزلة فالعلو للمنزلة لا لذاته فمن أراد العلو في الأرض فقد أراد الولاية فيها وقد قال رسول الله ص في الولاية إنها يوم القيامة حسرة وندامة فلا تكن من الجاهلين فالذي أوصيك به أنك لا تريد علوا في الأرض وإن أعطاك الله لا تطلب أنت من الله إلا أن تكون في نفسك صاحب ذلة ومسكنة وخشوع فإنك لن تحصل ذلك إلا أن يكون الحق مشهودا لك وليس مدار الخلق والأكابر إلا على أن يحصل لهم مقام الشهود فإنه الوجود المطلوب (وصية) وعليك بالاغتسال في كل يوم جمعة واجعله قبل رواحك إلى صلاة الجمعة وإذا اغتسلت فانو فيه إنك تؤدي واجبا فإنه قد ورد في الصحيح أن غسل الجمعة واجب على كل مسلم وقد ورد عن رسول الله ص حق على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام فيجمع بين الحديثين بغسل الجمعة وذلك أن الله خلق سبعة أيام وهي أيام الجمعة فإذا انقضت جمعة دارت الأيام فهي الجديدة الدائرة فلا تنصرف عنك دورة إلا عن طهارة تحدثها فيها إكراما لذاتها وتقديسا وتنظيفا كما جاء في السواك أنه مطهرة للفم ومرضاة للرب وكذلك الغسل في الأسبوع مطهرة للبدن ومرضاة للرب أي العبد فعل فعلا يرضي الله به من حيث إن الله أمره بذلك فامتثل أمره (وصية) إياك والمراء في شئ من الدين وهو الجدال فلا يخلوا من أحد أمرين إما أن تكون محقا أو مبطلا كما يفعل فقهاء زماننا اليوم في مجالس مناظراتهم ينوون في ذلك تلقيح خواطرهم فقد يلتزم المناظر في ذلك مذهبا لا يعتقده وقولا لا يرتضيه وهو يجادل به صاحب الحق الذي يعتقد فيه أنه حق ثم تخدعه النفس في ذلك بأن تقول له إنما نفعل ذلك لتلقيح الخاطر لا لإقامة الباطل وما علم إن الله عند لسان كل قائل وأن العامي إذا سمع مقالته بالباطل وظهوره على صاحب الحق وهو عنده إنه فقيه عمل العامي المقلد على ذلك الباطل لما رأى من ظهوره على صفة الحق وعجز صاحب الحق عن مقاومته فلا يزال إلا ثم يتعلق به ما دام هذا السامع يعمل بما سمع منه ولهذا ورد في الخبر عن رسول الله ص الثابت أنه قال أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقا وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا ومنه المراء في الباطل وكان رسول الله ص يمزح ولا يقول إلا حقا (وصية) وعليك بحسن الأخلاق وإتيان مكارمها وتجنب سفسافها فإن النبي ص يقول إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق وإنه ص قد ضمن بيتا في أعلى الجنة لمن حسن خلقه ولما كانت الأخلاق الحسنة عبارة عن أن نفعل مع المتخلق معه الذي يصرف أخلاقه معه في معاملته إياه وعلمنا إن أغراض الخلق متقابلة وإنه إن أرضى زيدا أسخط عدوه عمرا ولا بد من ذلك فمن المحال أن يقوم في خلق كريم يرضى جميع الخلائق ولما رأينا أن الأمر على هذا الحد وأدخل الله نفسه مع عباده في الصحبة كما ثبت عن رسول الله ص أنه قال لربه أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل وقال وهو معكم أينما كنتم وقال إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا وقال إنني معكما أسمع وأرى قلنا فلا نصرف مكارم الأخلاق إلا في صحبة الله خاصة فكل ما يرضي الله نأتيه وكل ما لا يرضيه نجتنبه وسواء كانت المعاملة والخلق مما يخص جانب الحق أو تتعدى إلى الغير وإنها وإن تعدت إلى الغير فإنها مما يرضى الله وسواء عندك سخط ذلك الغير أو رضي فإنه إن كان مؤمنا رضي بما يرضى الله وإن كان عدوا لله فلا اعتبار له عندنا فإن الله يقول إنما المؤمنون إخوة وقال لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة فحسن الخلق إنما هو فيما يرضى الله فلا تصرفه إلا مع الله سواء كان ذلك في الخلق أو فيما يختص بجناب الله فمن راعى جناب الله انتفع به جميع المؤمنين وأهل الذمة فإن لله حقا على كل مؤمن في معاملة كل أحد من خلق الله على الإطلاق من كل صنف من ملك وجان وإنسان وحيوان ونبات وجماد ومؤمن وغير مؤمن وقد ذكرنا ذلك في رسالة الأخلاق لنا كتبنا بها إلى بعض إخواننا سنة إحدى وتسعين وخمسمائة وهي جزء لطيف غريب في معناه فيه معاملة جميع الخلق بالخلق الحسن الذي يليق به وحسن الخلق بحسب أحوال من تصرفها فيه ومعه هذا أمر عام والتفصيل فيه لك بالواقع فانظر فيه فإنه أكثر من أن تحصى آحاده لما في ذلك من التطويل والله الموفق لا رب غيره وكذلك تجنب سفساف الأخلاق ولا تعرف مكارم الأخلاق من سفسافها إلا حتى
(٤٥٩)