عن الحد والمقدار فإنه رحم أقرب جار إليه وهي نفسه ورحم صورة خلقها الله على صورته فجمع بين الحسنيين مراعاة قرب الجوار ومراعاة الصورة وأي جار سوى نفسه فهو أبعد منها ولذلك أمر الداعي إذا دعا أن يبدأ بنفسه أولا مراعاة لحقها والسر الآخر أن الداعي لغيره يحصل في نفسه افتقار غيره إليه ويذهل عن افتقاره فربما يدخله زهو وعجب بنفسه لذاك وهو داء عظيم فأمره رسول الله ص أن يبدأ لنفسه بالدعاء فتحصل له صفة الافتقار في حق نفسه فتزيل عنه صفة الافتقار صفة العجب والمنة على الغير وفي أثر ذلك يدعو للغير على افتقار وطهارة فلهذا ينبغي للعبد أن يبدأ بنفسه في الدعاء ثم يدعو لغيره فإنه أقرب إلى الإجابة لأنه أخلص في الاضطرار والعبودية ومثل هذا النظر مغفول عنه لا أحد أعظم من الوالدين وأكبر بعد الرسل حقا منهما على المؤمن ومع هذا أمر الداعي أن يقدم في الدعاء نفسه على والديه فقال نوح ع رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات وقال الخليل إبراهيم ع في دعائه واجنبني وبنى فقدم نفسه رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب فبدأ بنفسه وقال أولئك الذين هداهم الله فبهديهم اقتده وإنما أوصيتك بالأذان لما فيه عند الله يوم القيامة فإن المؤذنين أطول الناس أعناقا في ذلك اليوم يقول تمتد أعناقهم دون الناس لينظروا ما أثابهم الله به وما أعطاهم من الجزاء على أذانهم هذا إن كان من الطول فإن كان من الطول الذي هو الفضل والعنق الجماعة فهم أفضل الناس جماعة ومن رواه بكسر الهمزة فهو أفضلهم سيرا لما يرونه من الخير الذي لهم على الأذان فإن المؤذن يحافظ على الأوقات فهو يسرع إلى الإعلام بدخول وقت الصلاة فإنه مراع ذلك (وصية) وإن كنت واليا فاقض بالحق بين الناس ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله وسبيل الله هو ما شرعه لعباده في كتبه وعلى ألسنة رسله فالذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب يعني به والله أعلم يوم الدنيا حيث لم يحاسبوا نفوسهم فيه فإن النسيان الترك يقول رسول الله ص حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ولقد أشهدني الله في هذا مشهدا عظيما بإشبيلية سنة ست وثمانين وخمسمائة ويوم الدنيا أيضا هو يوم الدين أي يوم الجزاء لما فيه من إقامة الحدود ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلم يرجعون وهذا عين الجزاء وهو أحسن في حق العبد المذنب من جزاء الآخرة لأن جزاء الدنيا مذكر وهو يوم عمل والآخرة ليست كذلك ولهذا قال في الدنيا لعلهم يرجعون يعني إلى الله بالتوبة فيوم الجزاء أيضا يوم الدنيا كما هو يوم الآخرة وهو في يوم الدنيا أنفع فاقض بالحق فإن الله قد قضى في الدنيا بالحق بما شرعه لعباده وفي الآخرة بما قال فإن القضاة في الدنيا ثلاث واحد في الجنة واثنان في النار والذي أوصيك به إذا فتح الله عين بصيرتك ورزقك الرجوع إليه المسمى توبة فانظر أي حالة أنت عليها من الخير لا تزل عنها إن كنت واليا أثبت على ولايتك وإن كنت عزبا أثبت على ذلك وإن كنت ذا زوجة فلا تطلق وأثبت على ذلك مع أهلك واشرع في العمل بتقوى الله في الحالة التي أنت عليها من الخير كانت ما كانت فإن لله في كل حال باب قربة إليه تعالى فاقرع ذلك الباب يفتح لك ولا تحرم نفسك خيره وأقل الأحوال إنك في الحال التي كنت عليها في زمان مخالفتك إذا ثبت عليها عند توبتك تحمدك تلك الحالة فإن فارقتها كانت عليك لا لك فإنها ما رأت منك خيرا وهذا معنى دقيق لطيف لا ينتبه له كل أحد فإنها لا تشهد لك إلا بما رأته منك فإذا رأت منك خيرا شهدت لك به ولا يفوتك ما ذكرته لك من نيل ما فيها من الخير المشروع وأعني بذلك كل حال أنت عليها من المباحات فإن توبتك إنما كان رجوعك عن المخالفات وإياك أن تتحرك بحركة إلا وأنت تنوي فيها قربة إلى الله حتى المباح إذا كنت في أمر مباح فانو فيه القربة إلى الله من حيث إيمانك به أنه مباح ولذلك أتيته فتؤجر فيه ولا بد حتى المعصية إذا أتيتها انو المعصية فيها فتؤجر على الايمان بها إنها معصية ولذلك لا تخلص معصية المؤمن أبدا من غير أن يخالطها عمل صالح وهو الايمان بكونها معصية وهم من الذين قال الله فيهم وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا فهذا معنى المخالطة فالعمل الصالح هنا الايمان بالعمل الآخر السيئ أنه سيئ وعسى من الله واجبة فترجع عليهم بالرحمة
(٤٧٦)