تعرف مصارفها فإذا علمت مصارفها علمت مكارمها وسفسافها وهو علم خفي شريف فلا يفوتنك علم مصارف الأخلاق فإن ذلك يختلف باختلاف الوجوه (وصية) وعليك بالهجرة ولا نقم بين أظهر الكفار فإن في ذلك إهانة دين الإسلام وإعلاء كلمة الكفر على كلمة الله فإن الله ما أمر بالقتال إلا لتكون كلمة الله هي العلياء وكلمة الذين كفروا السفلي وإياك والإقامة أو الدخول تحت ذمة كافر ما استطعت واعلم أن المقيم بين أظهر الكفار مع تمكنه من الخروج من بين ظهرانيهم لا حظ له في الإسلام فإن النبي ص قد تبرأ منه ولا يتبرأ رسول الله ص من مسلم وقد ثبت عنه أنه ص قال أنا برئ من مسلم بقيم بين أظهر المشركين فما اعتبر له كلمة الإسلام وقال الله تعالى فيمن مات وهو بين أظهر المشركين إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قال الله لهم ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ولهذا حجرنا في هذا الزمان على الناس زيارة بيت المقدس والإقامة فيه لكونه بيد الكفار فالولاية لهم والتحكم في المسلمين والمسلمون معهم على أسوء حال نعوذ بالله من تحكم الأهواء فالزائرون اليوم البيت المقدس والمقيمون فيه من المسلمين هم من الذين قال الله فيهم ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا وكذلك فلتهاجر عن كل خلق مذموم شرعا قد ذمه الحق في كتابه أو على لسان رسوله ص (وصية) وعليك باستعمال العلم في جميع حركاتك وسكناتك فإن السخي الكامل السخاء من يسخي بنفسه على العلم فكان بحكم ما شرع الله له فعلم وعمل وعلم من لم يعلم وقد أثنى رسول الله ص على من قبل العلم وعمل به وعلمه وذم نقيض ذلك فثبت عنه ص أنه قال مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضا فكانت منها طائفة قبلت الماء فأنبتت الكلاء والعشب الكثير وكان منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله به الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب منها طائفة إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلا وكذلك من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني به فعلم وعمل وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسا مثل القيعان التي لم تمسك ماء ولا أنبتت كلا فكن يا أخي ممن علم وعمل وعلم ولا تكن ممن علم وترك العمل فتكون كالسراج أو كالشمعة تضئ للناس وتحرق نفسك فإنك إذا عملت بما علمت جعل الله لك فرقانا ونورا وورثك ذلك العمل علما آخر لم تكن تعلمه من العلم بالله وبما لك فيه منفعة عند الله في آخرتك فاجهد أن تكون من العلماء العاملين المرشدين (وصية) وعليك بالتودد لعباد الله من المؤمنين بإفشاء السلام وإطعام الطعام والسعي في قضاء حوائجهم واعلم أن المؤمنين أجمعهم جسد واحد كإنسان واحد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالحمى كذلك المؤمن إذا أصيب أخوه المؤمن بمصيبة فكأنه هو الذي أصيب بها فيتألم لتألمه ومتى لم يفعل ذلك المؤمن مع المؤمنين فما ثبتت أخوة الايمان بينه وبينهم فإن الله قد واخى بين المؤمنين كما واخى بين أعضاء جسد الإنسان وبهذا وقع المثل من النبي ص في الحديث الثابت وهو قوله ص مثل المؤمنين في توددهم وتعاطفهم وتراحمهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعي له سار الجسد بالحمى والسهر واعلم أن المؤمن كثير بأخيه وأن المؤمن لما كان من أسماء الله مع ما ينضاف إلى ذلك من خلقه على الصورة ثبت النسب والمؤمن أخو المؤمن لا يسلمه ولا يخذله فمن كان مؤمنا بالله من حيث ما هو الله مؤمن فإنه يصدقه في فعله وقوله وحاله وهذه هي العصمة فإن الله من كونه مؤمنا يصدقه في ذلك ولا يصدق الله إلا الصادق فإن تصديق الكاذب على الله محال فإن الكذب عليه محال وتصديق الكاذب كذب بلا شك فمن ثبت إيمانه بالله من كون الله مؤمنا فإن هذا العبد لا شك أنه من الصادقين في جميع أموره مع الله لأنه مؤمن بالله مؤمن به أيضا فتنبه لما دللتك عليه ووصيتك به في الايمان بالله من كونه مؤمنا تنتفع فإني قد أريتك الطريق الموصل إلى نيل ذلك واعتصم بالله ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم فإن الله على صراط مستقيم وليس إلا ما شرعه لعباده (وصية) لا تكترث لما يصيبك الله به من الرزايا في مالك ومن يعز عليك من أهلك مما يسمى في العرف رزية ومصابا وقل إنا لله وإنا إليه راجعون عند نزولها بك وقل فيها كما قال
(٤٦٠)