عليه فكذلك يؤجر في دفع الألم عن نفسه وإن الله يرفع بإسباغ الوضوء على المكاره درجة العبد ويمح الله به الخطايا قال ص ألا أنبئكم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات إسباغ الوضوء على المكاره فهذا محو الخطايا فإنه تنظيف وتطهير ثم قال وكثرة الخطاء إلى المساجد فإنه سلوك في صعود ومشي ثم قال تمام الحديث وهو وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط فذلكم الرباط فذلكم الرباط والرباط الملازمة من ربطت الشئ وبالانتظار قد ألزم نفسه فربط الصلاة بالصلاة المنتظرة بمراقبة دخول وقتها ليؤديها في وقتها وأي لزوم أعظم من هذا فإنه يوم واحد مقسم على خمس صلوات ما منها صلاة يؤديها فيفرع منها إلا وقد ألزم نفسه مراقبة دخول وقت الأخرى إلى أن يفرع اليوم ويأتي يوم آخر فلا يزال كذلك فما ثم زمان لا يكون فيه مراقبا لوقت أداء صلاة لذلك أكده بقوله ثلاث مرات فانظر إلى علم رسول الله ص بالأمور حتى أنزل كل عمل في الدنيا منزلته في الآخرة وعين حكمه وأعطاه حقه فذكر وضوء ومشيا وانتظار أو ذكر محوا ورفع درجة ورباطا ثلاث لثلاث هذا يدلك على شهوده مواضع الحكم ومن هنا وأمثاله قال عن نفسه إنه أوتي جوامع الكلم (وصية) وعليك بمراعاة كل مسلم من حيث هو مسلم وساو بينهم كما سوى الإسلام بينهم في أعيانهم ولا تقل هذا ذو سلطان وجاه ومال وكبير وهذا صغير وفقير وحقير ولا تحقر صغيرا ولا كبيرا في ذمته واجعل الإسلام كله كالشخص الواحد والمسلمين كالأعضاء لذلك الشخص وكذلك هو الأمر فإن الإسلام ما له وجود إلا بالمسلمين كما إن الإنسان ما له وجود إلا بأعضائه وجميع قواه الظاهرة والباطنة وهذا الذي ذكرناه هو الذي راعاه رسول الله ص فيما ثبت عنه من قوله في ذلك المسلمون تتكافئ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم وهم يد واحدة على من سواهم وقال المسلمون كرجل واحد إن اشتكى عينه اشتكى كله وإن اشتكى رأسه اشتكى كله ومع هذا التمثيل فأنزل كل واحد منزلته كما أنك تعامل كل عضو منك بما يليق به وما خلق له فتغض بصرك عن أمر لا يعطيه السمع وتفتح سمعك لشئ لا يعطيه البصر وتصرف يدك في أمر لا يكون لرجلك وهكذا جميع قواك فتنزل كل عضو منك فيما خلق له كذلك وإن اشترك المسلمون في الإسلام وساويت بينهم فأعط العالم حقه من التعظيم والإصغاء إلى ما يأتي به وأعط الجاهل حقه من تذكرك إياه وتنبيهه على طلب العلم والسعادة وأعط الغافل حقه بأن توقظه من نوم غفلته بالتذكر لما غفل عنه مما هو عالم به غير مستعمل علمه وكذلك الطائع والمخالف وأعط السلطان حقه من السمع والطاعة فيما هو مباح لك فعله وتركه فيجب عليك بأمره ونهيه أن تسمع له وتطيع فيعود لأمر السلطان ونهيه ما كان مباحا قبل ذلك واجبا أو محظورا بالحكم المشروع من الله في قوله وأولي الأمر منكم وأعط الصغير حقه من الرفق به والرحمة له والشفقة عليه وأعط الكبير حقه من الشرف والتوقير فإن من السنة رحمة الصغير وتوقير الكبير ومعرفة شرفه ثبت عن رسول الله ص أنه قال ليس منا من لم يرحم صغيرنا ويعرف شرف كبيرنا وفي حديث ويوقر كبيرنا وعليك برحمة الخلق أجمع ومراعاتهم كانوا ما كانوا فإنهم عبيد الله وإن عصوا وخلق الله وإن فضل بعضهم بعضا فإنك إذا فعلت ذلك أوجرت فإنه ص قد ذكر أنه في كل ذي كبد رطبة أجر ألا ترى إلى الحديث الوارد في البغي أن بغيا من بغايا بني إسرائيل وهي الزانية مرت على كلب قد حرج لسانه من العطش وهو على رأس بئر فلما نظرت إلى حاله نزعت خفها وملأته بالماء من البئر وسقت الكلب فشكر الله فعلها فغفر لها بكلب وأخبرني الحسن الوجيه المدرس بملطية الفارسي عن والي بخارى وكان ظالما مسرفا على نفسه فرأى كلبا أجرب في يوم شديد البرد وهو ينتفض من البرد فأمر بعض شاكريته فاحتمل الكلب إلى بيته وجعله في موضع حار وأطعمه وسقاه ودفئ الكلب فرأى في النوم أو سمع هاتفا الشك مني يقول له يا فلان كنت كلبا فوهبناك لكلب فما بقي إلا أيام يسيرة ومات فكان له مشهد عظيم لشفقته على كلب وأين المسلم من الكلب فافعل الخير ولا تبال فيمن تفعله تكن أنت أهلا له ولتأت كل صفة محمودة من حيث ما هي من مكارم الأخلاق تتحلى بها وكن محلا لها لشرفها عند الله وثناء الحق عليها فاطلب الفضائل لأعيانها واجتنب الرذائل العرفية لأعيانها واجعل الناس تبعا لا تقف مع ذمهم ولا حمدهم إلا أنك تقدم الأولى فالأولى إن أردت أن تكون مع الحكماء
(٤٦٤)